الطائرة والأمان الصحي أين يجب أن تجلس لتجنب الأمراض؟ يعد السفر خلال فترات الأعياد مثل عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة من أبرز الأنشطة التي يخطط لها الكثيرون حول العالم. ومع اقتراب هذه العطلات، يزداد الاهتمام بتخطيط الرحلات الجوية التي تتيح للأفراد فرصة الاستمتاع بالأجواء الاحتفالية والتواصل مع العائلة والأصدقاء.
إلا أن هناك مشكلة صحية قد تثير القلق خلال هذه الفترة، وهي الأمراض الموسمية مثل الإنفلونزا ونزلات البرد، التي تنتشر بشكل واسع في أوقات السفر بسبب التنقلات المكثفة والاكتظاظ في الطائرات. ومن أجل ضمان رحلة جوية آمنة وصحية، يتساءل الكثيرون عن أفضل الأماكن التي يمكن الجلوس فيها لتقليل مخاطر التعرض للعدوى.
وفقًا لعدة دراسات بحثية، كان الجواب الأكثر شيوعًا من خبراء الصحة والسفر هو أن المقعد بجانب النافذة هو الخيار الأمثل لتجنب التعرض للأمراض أثناء السفر بالطائرة. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2018 في جامعة إموري في أتلانتا الأمريكية، والتي تتبع فيها الباحثون نتائج 10 رحلات جوية عبر الأطلسي مع 1500 مسافر، أن المقعد بجانب النافذة يعد الأكثر أمانًا من حيث تقليل خطر انتقال الفيروسات.
تم إجراء هذه الدراسة لتقييم معدلات “التناثر الفيروسي” داخل الطائرات، وأظهرت النتائج أن الركاب الذين يجلسون في المقعد بجانب النافذة يكونون أقل عرضة للتعرض للفيروسات مقارنة بالآخرين.
الأسباب العلمية وراء اختيار المقعد بجانب النافذة
تشير الدراسة إلى أن السبب في أن المقعد بجانب النافذة يعتبر الأكثر أمانًا من حيث تجنب انتقال العدوى هو أنه يكون بعيدًا عن الممر الذي يشهد حركة متواصلة للركاب وأفراد الطاقم. ففي الطائرات، يعد الممر نقطة التقاء حيوية بين الركاب الذين يتنقلون عبر الطائرة للحصول على خدمات الطاقم أو لاستخدام الحمام. هذا النشاط المتكرر في الممر يساهم في انتقال الجراثيم والفيروسات من شخص لآخر، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.
إضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يجلسون بجانب النوافذ هم أقل حركة مقارنة بالركاب الذين يجلسون في الممر، حيث أظهرت الدراسة أن حوالي 80% من الركاب الجالسين في الممر يتحركون على الأقل مرة واحدة أثناء الرحلة، بينما تكون النسبة أقل بشكل ملحوظ بين الجالسين بجانب النوافذ حيث لا تتجاوز 40%. الحركة المتكررة في الممر يمكن أن تزيد من احتمالية التعرض للفيروسات المنتشرة من قبل الركاب الآخرين.
دعم إضافي من الخبراء في مجال الصحة العامة
لم تقتصر هذه النتائج على الدراسات البحثية فقط، بل دعمتها أيضًا الآراء المهنية لأطباء ومتخصصين في الصحة العامة. فقد أشارت بيرناديت بودن-ألبالا، أستاذة الصحة العامة، إلى أن المقعد بجانب النافذة يعد الأفضل من حيث تقليل خطر الإصابة بالإنفلونزا والبرد.
وأوضحت أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذا المقعد يقع بعيدًا عن المناطق ذات الحركة العالية مثل الممرات والحمام، التي تكون عادةً مزدحمة وتعد بيئة مثالية لانتقال الجراثيم بين الركاب.
وفي السياق ذاته، أشار خبراء صحة آخرون إلى أهمية اختيار المقعد بناءً على موقعه في الطائرة أيضًا. إذ أظهرت دراسة أجريت في عام 2022، أن اختيار المقعد في الجزء الخلفي من الطائرة قد يساهم في تقليل خطر انتقال فيروس “كوفيد-19”.
ووفقًا لهذه الدراسة، فإن الأخطر هو الجلوس بالقرب من المسافر المصاب، خاصةً في المقاعد التي تقع في الصفوف التي خلفه، حيث يزيد احتمال انتقال الفيروسات بسبب حركة الهواء داخل الطائرة.
هل يمكن للمقاعد الأمامية أن تكون خيارًا آمنًا؟
على الرغم من أن المقعد بجانب النافذة في الجزء الخلفي من الطائرة يعد الأكثر أمانًا من حيث تجنب الإصابة بالأمراض، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن المقاعد في الجزء الأمامي قد تكون أفضل من حيث الراحة والتأثيرات الصحية الأخرى مثل الشعور بالغثيان.
ومع ذلك، لا يبدو أن الجزء الأمامي يوفر حماية أكبر ضد الأمراض الموسمية. فالمفتاح في اختيار المقعد يكمن في تقليل التواصل مع الأشخاص الآخرين الذين قد يكونون مصابين بالفيروسات.
أهمية الحفاظ على النظافة الشخصية
بجانب اختيار المقعد الأنسب، يشدد الخبراء على ضرورة اتخاذ احتياطات أخرى لضمان رحلة صحية وآمنة، مثل الحفاظ على النظافة الشخصية خلال الرحلة. ينصح الخبراء بضرورة غسل اليدين بانتظام، خاصة بعد لمس الأسطح المشتركة مثل المقاعد والمساند والأدوات المستخدمة من قبل الركاب الآخرين. كما يُستحسن استخدام معقمات اليدين بشكل دوري، خاصة قبل تناول الطعام أو بعد الخروج من الحمام.
التهوية في الطائرة ودورها في منع انتقال الأمراض
تلعب التهوية داخل الطائرات أيضًا دورًا كبيرًا في تقليل احتمالية انتقال الأمراض. فأنظمة التهوية في الطائرات الحديثة مصممة لتقليل مخاطر انتشار الفيروسات، حيث تقوم بتبادل الهواء بشكل مستمر وتصفية الهواء الداخل إلى الطائرة باستخدام فلاتر متقدمة. مع ذلك، تبقى العوامل الأخرى مثل الأماكن المكتظة والتفاعلات الاجتماعية بين الركاب عاملًا مساعدًا في انتقال الأمراض.
التوجه نحو التحسينات التكنولوجية
من جهة أخرى، تسعى شركات الطيران إلى استخدام تقنيات حديثة لتحسين تجربة السفر وتقليل المخاطر الصحية. فبعض شركات الطيران بدأت في اعتماد أنظمة رقابة ذكية لتحليل حركة الركاب داخل الطائرة، مما يساعد في ضمان توزيع الركاب بشكل يحد من ازدحام المناطق ذات الحركة الكثيفة.
في النهاية، يتضح أن اختيار المقعد في الطائرة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى الأمان الصحي خلال الرحلة. وفقًا للدراسات المختلفة، يعد المقعد بجانب النافذة في الجزء الخلفي من الطائرة الخيار الأفضل لتقليل خطر الإصابة بالأمراض الموسمية، مثل الإنفلونزا ونزلات البرد.
ولكن لا ينبغي التقليل من أهمية اتباع احتياطات صحية أخرى مثل غسل اليدين واستخدام المعقمات. إذ إن الجمع بين اختيار المقعد الأنسب واتخاذ الإجراءات الوقائية يعد أفضل طريقة للتمتع برحلة آمنة وصحية.