السرطان المبكر للفم علامات غير مؤلمة وغير ملحوظة . سرطان الغشاء المخاطي للفم يُعتبر من أكثر أنواع الأورام عدوانية، ويتميز بمعدل انتكاس مرتفع ونسب وفيات مرتفعة، وفقًا لما يؤكده البروفيسور إيليا بوستينسكي، أخصائي الأورام المعروف بخبرته الطويلة في تشخيص وعلاج الأورام الخبيثة.
ويرجع السبب في ارتفاع معدلات الوفاة إلى تأخر تشخيص المرض لدى غالبية المرضى، حيث يُظهر أكثر من 60٪ منهم الأورام في المرحلتين الثالثة والرابعة عند الكشف لأول مرة. وهذا يبرز أهمية التركيز على التشخيص المبكر، الذي يضاعف فرص الشفاء ويقلل من مضاعفات العلاج.
تظهر أورام الفم الخبيثة في أماكن متعددة من تجويف الفم، وأبرزها اللسان، وقاع الفم، والغشاء المخاطي للخد، واللثة، والحنك. وغالبًا ما تكون العلامات الأولية للمرض خفية وغير مؤلمة، ما يجعل اكتشافه مبكرًا تحديًا حقيقيًا.
في كثير من الحالات، يلاحظ المرضى وجود عقيدات صغيرة أو تقرحات سطحية أو شقوق غير ملتئمة، ولا تستجيب هذه العلامات للعلاجات التقليدية مثل المضمضات أو مراهم الفم الشائعة. ويشير البروفيسور بوستينسكي إلى أن أي شعور بالحرقة أو الوخز عند تناول الطعام يجب أن يعتبر إشارة تحذيرية تستدعي مراجعة الطبيب دون تأخير.
وعلى الرغم من أن بعض الحالات قد تبدو بسيطة، إلا أن استمرار الأعراض لمدة أسبوعين أو أكثر بعد استخدام العلاج التقليدي يمثل مؤشرًا هامًا على ضرورة الفحص المتخصص.
فزيارة طبيب أورام لإجراء تقييم دقيق، بما في ذلك دراسة مورفولوجية وتحليل نسيجي للعينات، يمكن أن تتيح اكتشاف الورم في مرحلة مبكرة جدًا، قبل أن يتطور ويصبح صعب العلاج.
ويشير البروفيسور إلى أن التشخيص المبكر لا يقتصر على زيادة فرص الشفاء فقط، بل يساعد أيضًا في الحفاظ على الوظائف الحيوية للفم، مثل الكلام والمضغ والبلع، دون الحاجة لإجراءات جراحية موسعة قد تؤثر على جودة حياة المريض.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن علاج سرطان الفم في مراحله المبكرة يمكن أن يحقق نسب نجاح تتجاوز 90٪، بينما ينخفض معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات في المراحل المتقدمة، وخاصة الثالثة والرابعة، إلى ما بين 23٪ و42٪.
هذه الأرقام تعكس الفارق الكبير بين التشخيص المبكر والمتأخر، وتشدد على ضرورة التوعية المجتمعية بشأن علامات التحذير الأولية وأهمية الفحص الدوري للفم لدى جميع الفئات العمرية.
في الواقع، تشير الإحصاءات إلى أن الاكتشاف المبكر يمكن أن يمنع ما يصل إلى 80٪ من وفيات سرطان الفم، وهو ما يجعل الوقاية والفحص الدوري أدوات أساسية لمكافحة هذا المرض.
ويحدد البروفيسور عدة عوامل رئيسية تسهم في تطور سرطان الفم، منها العادات السيئة مثل التدخين وإدمان الكحول، خاصة عند الجمع بينهما، حيث يؤدي هذا السلوك المشترك إلى زيادة احتمال تحوّل الخلايا الطبيعية إلى خبيثة.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب صحة الفم السيئة دورًا محوريًا في ارتفاع خطر الإصابة، فضعف النظافة الفموية والتهابات الفم المزمنة والعدوى المتكررة تعمل على تهيئة البيئة المثالية لتطور الخلايا السرطانية.
الأمراض المزمنة في الفم، مثل تسوس الأسنان أو الإصابات المزمنة للغشاء المخاطي الناتجة عن أطقم الأسنان منخفضة الجودة أو حواف الأسنان الخشنة، تساهم أيضًا في ظهور الأورام.
كما أن بعض الحالات التي تسبق السرطان، مثل الطلاوة البيضاء والحمراء، والقرح المزمنة، وتشققات الشفاه، تعتبر مؤشرات تحذيرية تستوجب متابعة دقيقة وعلاجًا فوريًا للحد من تطورها إلى أورام خبيثة.
ويؤكد البروفيسور بوستينسكي أن الوقاية المبكرة تبدأ بالكشف عن هذه الحالات وعلاجها فورًا، إلى جانب التخلص من العادات السيئة التي تزيد من مخاطر الإصابة.
ويضيف أن التثقيف الصحي للفئات المختلفة حول أهمية الفحص الدوري للفم، خصوصًا بين المدخنين ومتعاطي الكحول، يمكن أن يقلل بشكل ملحوظ من معدلات الإصابة والوفاة المرتبطة بسرطان الفم.
من الناحية العملية، يوصي الأطباء بإجراء فحص ذاتي للفم بانتظام، بما في ذلك فحص اللسان، ولثة الفم، وسقف الحنك، وغشاء الخد الداخلي، والبحث عن أي تغييرات غير طبيعية مثل بقع بيضاء أو حمراء، أو عقيدات، أو تقرحات لا تلتئم. وفي حالة ملاحظة أي من هذه العلامات، يجب مراجعة طبيب متخصص على الفور لإجراء الفحوصات اللازمة.
كما يؤكد البروفيسور أن اعتماد نظام حياة صحي يلعب دورًا كبيرًا في الوقاية من سرطان الفم، ويشمل ذلك الامتناع عن التدخين والكحول، والحفاظ على نظافة الفم والأسنان، واتباع نظام غذائي غني بالفواكه والخضراوات التي تحتوي على مضادات الأكسدة، وممارسة الرياضة بانتظام لتعزيز مناعة الجسم.
وفي ختام حديثه، يشدد البروفيسور على أن التوعية المبكرة والفحص الدوري هما أفضل سلاحين ضد سرطان الفم، إذ أن الكثير من المرضى يستهينون بالأعراض الأولية البسيطة التي قد تبدو غير مؤلمة، متجاهلين أنها قد تكون مؤشرات لمرض خبيث يتطور بسرعة إذا لم يتم التدخل المبكر. لذلك، يعتبر الكشف المبكر والمتابعة الطبية الدورية الركيزة الأساسية للحفاظ على صحة الفم والوقاية من هذا النوع العدواني من السرطان.