السجائر الإلكترونية النظيفة تهدد صحة القلب وتزيد ضغط الدم . في السنوات الأخيرة، شهد العالم انتشارًا واسعًا للسجائر الإلكترونية، التي تم الترويج لها باعتبارها بديلًا أقل ضررًا من السجائر التقليدية.
غير أن الدراسات الحديثة بدأت تكشف عن وجه آخر لهذه المنتجات، حيث تبين أنها تحمل مخاطر صحية لا تقل خطورة عن التدخين العادي، خاصة على القلب والأوعية الدموية.
فقد أظهر فريق من الباحثين بجامعة ييل بالتعاون مع كلية الطب بجامعة بوسطن، أن السجائر الإلكترونية التي تُباع تحت مسمى “نظيف” أو Clear (والتي يتم تسويقها على أنها بلا نكهات واضحة) قد تتسبب في ارتفاع حاد في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة المستخدمين، خصوصًا الشباب الذين يُقبلون عليها بشكل متزايد.
خلفية حول السجائر الإلكترونية والنكهات
من المعروف أن السجائر الإلكترونية التقليدية المنكهة تجذب بشكل كبير المراهقين والشباب، حيث تقدم لهم نكهات متعددة مثل الفواكه والحلويات والنعناع، وهو ما دفع السلطات الصحية في كثير من الدول إلى فرض قيود صارمة على بيعها وتداولها.
وتهدف هذه السياسات إلى تقليل معدلات الإقبال عليها، خصوصًا بين الفئات الأصغر سنًا، لما تحمله من تأثيرات سلبية طويلة المدى على الصحة العامة.
لكن مع تشديد القوانين، بدأ المصنعون يبحثون عن طرق جديدة للتحايل، فظهر مصطلح “السجائر الإلكترونية النظيفة” التي يتم الترويج لها باعتبارها خالية من النكهات، رغم أنها تحتوي على مركبات تبريد صناعية مثل WS-3 وWS-23، وهي مواد كيميائية تنشط مستقبلات التبريد نفسها التي ينشطها المنثول الطبيعي المستخرج من نبات النعناع.
والمثير في الأمر أن هذه المركبات تمنح المستخدم إحساسًا بالانتعاش دون وجود رائحة أو طعم النعناع المعروف، وهو ما يجعلها جذابة بشكل أكبر لأنها توحي بأنها آمنة أو “محايدة”.
تفاصيل الدراسة العلمية
أجريت الدراسة على 207 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا ضمن دراسة CITU 2.0 في بوسطن – ماساتشوستس. وشملت العينة:
23 مستخدمًا عاديًا للسجائر الإلكترونية
111 مستخدمًا للنكهات المختلفة
73 مشاركًا غير مستخدمين نهائيًا
وتم إخضاع جميع المشاركين لإجراءات دقيقة قبل التجربة، حيث صاموا عن الطعام والكافيين لمدة 8 ساعات، وامتنعوا عن التبغ والرياضة لمدة 6 ساعات. وخلال الجلسة، أخذ المشاركون سحبات من السجائر الإلكترونية كل 30 ثانية لمدة 10 دقائق، ثم جرى قياس ضغط الدم ومعدل ضربات القلب قبل وبعد التجربة.
النتائج والتحليل الكيميائي
كشف التحليل الكيميائي أن جميع الأجهزة التي تم تسويقها على أنها “نظيفة” تحتوي على مركبات WS-23 وWS-3، كما أن 18 جهازًا من أصل 19 احتوى على المنثول، بالإضافة إلى أن 12 جهازًا تضمنت نكهات إضافية أخرى.
أما بالنسبة لمستويات النيكوتين، فقد تراوحت في الأجهزة “النظيفة” بين 28 و53 ملغ/غرام، وهي نسبة قريبة جدًا من مستويات النيكوتين الموجودة في منتجات JUUL العادية، والتي تتراوح بين 48 و54 ملغ/غرام.
وأثبتت النتائج أن استخدام هذه السجائر أدى إلى ارتفاع واضح في:
ضغط الدم الانقباضي
ضغط الدم الانبساطي
متوسط ضغط الدم الشرياني
معدل ضربات القلب
وهو ما يعني أن التأثيرات الفسيولوجية لهذه الأجهزة لا تقل خطورة عن غيرها، بل قد تكون أشد في بعض الحالات.
خطورة السجائر الإلكترونية “النظيفة”
خلص الباحثون إلى أن وجود هذه المركبات التبريدية الصناعية يضعف من فعالية سياسات حظر النكهات التقليدية، حيث يتم تسويق هذه الأجهزة على أنها بديل “آمن” أو “بلا إضافات”، بينما تحمل نفس المخاطر وربما أكثر.
ويؤكد الخبراء أن وصف هذه الأجهزة بـ”النظيفة” يعد تضليلًا للمستهلكين، خاصة وأن المراهقين والشباب هم الفئة الأكثر عرضة للتأثر بهذه الحملات التسويقية، ما يجعلهم يعتقدون أنهم يبتعدون عن المخاطر بينما هم في الحقيقة يقتربون منها أكثر.
أبعاد صحية وتنظيمية
ترى الجهات الصحية أن هذه النتائج تستدعي تشديد الرقابة على صناعة السجائر الإلكترونية، ليس فقط من حيث النكهات، بل أيضًا من حيث المكونات الكيميائية التي تُستخدم للتحايل على القوانين. فالمركبات مثل WS-23 وWS-3 لم يتم تنظيمها بشكل كافٍ حتى الآن، رغم أنها تؤثر مباشرة على الجهاز القلبي الوعائي.
ويطالب الخبراء بضرورة وضع تعريف قانوني دقيق لمصطلح “نظيف”، بحيث لا يمكن استغلاله في تسويق منتجات تحمل مخاطر صحية مؤكدة.
انعكاسات على الصحة العامة
إن زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم يشكلان عوامل خطر رئيسية لأمراض القلب والأوعية الدموية، مثل:
- النوبات القلبية
- السكتات الدماغية
- قصور القلب المزمن
- تصلب الشرايين
ومع تزايد انتشار هذه المنتجات بين الشباب، فإن التأثيرات السلبية قد تظهر على المدى الطويل في صورة ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب مبكرًا، وهو ما يشكل عبئًا صحيًا واقتصاديًا ضخمًا على المجتمعات.
الدراسة الجديدة من جامعتي ييل وبوسطن تكشف حقيقة صادمة: السجائر الإلكترونية “النظيفة” ليست آمنة كما يتم الترويج لها، بل قد تكون أكثر خطورة على القلب وضغط الدم.
وعليه، فإن الحل لا يكمن فقط في حظر النكهات الجذابة، بل في إعادة النظر في مكونات جميع منتجات التدخين الإلكتروني، وفرض معايير صارمة لحماية المستهلكين، خصوصًا المراهقين والشباب، من الوقوع ضحية دعاية مضللة تؤدي في النهاية إلى أضرار جسيمة على صحتهم.
