هذا التراجع المفاجئ جاء بعد فترة قصيرة من الارتفاع الملحوظ، حيث سجل الذهب أعلى سعر له منذ بداية نوفمبر الماضي، مما دفع المستثمرين إلى القيام بعمليات جني أرباح. في الوقت نفسه، قام العديد من المتداولين بتسوية مراكزهم قبيل اجتماع الاحتياطي الفدرالي الأميركي المنتظر الأسبوع المقبل، حيث يُتوقع أن يتخذ البنك المركزي قرارات مهمة قد تؤثر على الأسواق المالية والاقتصادات العالمية.
تراجع أسعار الذهب وعمليات جني الأرباح
انخفضت أسعار الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 1.2% لتسجل 2684.15 دولار للأونصة بحلول الساعة 01:40 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، في حين تراجعت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنسبة 1.7% لتغلق عند 2709.40 دولار.
على الرغم من هذا التراجع، كانت الأسعار قد ارتفعت في وقت سابق من اليوم إلى مستويات لم تشهدها منذ السادس من نوفمبر. وكان من المتوقع أن يستمر الذهب في الارتفاع بعد أن تحرك إلى أعلى مستوى له في خمسة أسابيع، لكن عمليات جني الأرباح كانت بمثابة رد فعل طبيعي من قبل المستثمرين بعد هذه المكاسب الكبيرة.
المحلل زين فاودا من MarketPulse قال إن الزخم الصعودي للذهب ظل قويًا في الأجل القريب، لكنه حذر من أن تراجع الأسعار كان متوقعًا مع اقتراب اجتماع الاحتياطي الفدرالي. “من المعتاد أن يتخذ المتداولون خطوة نحو جني الأرباح قبل اجتماعات الفدرالي الأميركي، حيث يترقب الجميع القرارات المستقبلية حول السياسة النقدية، وهو ما قد يؤدي إلى تصحيح في الأسعار”، أضاف فاودا.
التركيز على اجتماع الاحتياطي الفدرالي الأميركي
من المتوقع أن يكون اجتماع الاحتياطي الفدرالي الأميركي المقرر عقده الأسبوع المقبل نقطة محورية في تحركات السوق. إذ تشير التوقعات إلى أن البنك المركزي الأميركي قد يقوم بخفض أسعار الفائدة مجددًا للمرة الثالثة على التوالي، في خطوة يراها البعض ضرورية لدعم النمو الاقتصادي الأميركي في ظل الضغوط التضخمية المستمرة.
وبينما تترقب الأسواق هذا الاجتماع، يتجه انتباه المستثمرين إلى الخطوات المستقبلية للاحتياطي الفدرالي، خاصة فيما يتعلق بالاجتماع المقرر في يناير. يقول فاودا إن هذا الاجتماع سيكون مهمًا جدًا في تحديد اتجاه السياسة النقدية في الأشهر المقبلة، وتحديد ما إذا كان الفدرالي سيستمر في سياسة تخفيض أسعار الفائدة أو سيغير توجهاته استجابة لبيانات التضخم والنمو الاقتصادي. من المتوقع أن يتناول الفدرالي في قراراته القادمة مسألة التضخم، الذي لا يزال مرتفعًا، رغم بعض التقدم في خفضه إلى مستويات أكثر استقرارًا.
هل يؤدي خفض الفائدة إلى دعم الذهب؟
تاريخيًا، يعتبر الذهب من الأصول التي تستفيد من سياسات تخفيض أسعار الفائدة، حيث يؤدي ذلك إلى انخفاض تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الذهب مقارنة بالأصول الأخرى مثل السندات أو الأسهم. إذا قرر الفدرالي خفض أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، فإن هذا قد يعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن، وهو ما قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع مجددًا.
ومع ذلك، تبقى العوامل الاقتصادية الأخرى مثل التضخم وأسعار المنتجين في الولايات المتحدة عنصرًا مهمًا يجب مراقبته. ففي الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى خفض أسعار الفائدة، إلا أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تثير بعض القلق حول فعالية هذه السياسات.
إذ أظهرت التقارير الاقتصادية الأخيرة أن أسعار المنتجين في الولايات المتحدة قد ارتفعت أكثر من المتوقع في نوفمبر، مما يسلط الضوء على استمرار الضغوط التضخمية في الاقتصاد الأميركي.
التضخم وتأثيره على سياسة الفدرالي
شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار المستهلكين والمنتجين في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس استمرار الضغوط التضخمية على الاقتصاد. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الاحتياطي الفدرالي لخفض التضخم، فإن الارتفاعات الأخيرة في أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة تشير إلى أن التضخم لا يزال بعيدًا عن الوصول إلى الهدف السنوي للبنك المركزي الذي يبلغ 2%. ويواجه الفدرالي تحديًا كبيرًا في الموازنة بين خفض التضخم ودعم النمو الاقتصادي.
في هذا السياق، أشار أليكس إبكاريان، الرئيس التنفيذي لشركة Allegiance Gold، إلى أن “التضخم يستمر في الارتفاع، مما يعقد الأمور بالنسبة للاحتياطي الفدرالي. بينما هناك احتمالية كبيرة لخفض أسعار الفائدة في ديسمبر، فإن التضخم المتزايد يضع البنك المركزي في مأزق، حيث إنه لا يمكنه الاستمرار في تقليص أسعار الفائدة بشكل كبير دون المخاطرة بزيادة التضخم أكثر”.
ارتفاع طلبات إعانة البطالة وأثرها على السوق
من جهة أخرى، أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة ارتفاعًا طفيفًا في طلبات إعانة البطالة، مما يشير إلى تباطؤ محتمل في سوق العمل الأميركي. وهذا يمكن أن يعزز التوقعات بخفض أسعار الفائدة، حيث يعتبر ضعف سوق العمل مؤشرًا على تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي قد يحتاج إلى دعم من خلال سياسة نقدية تيسيرية.
ورغم ذلك، لا يزال السؤال قائمًا حول ما إذا كان الفدرالي سيقرر تخفيض الفائدة مرة أخرى في اجتماعه القادم، خصوصًا في ظل تزايد البيانات الاقتصادية التي تشير إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، مثل زيادة الطلب على إعانات البطالة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
تشير التوقعات المستقبلية إلى أن أسعار الذهب قد تشهد تحركات قوية في الأسابيع المقبلة، بناءً على القرارات التي سيتخذها الاحتياطي الفدرالي الأميركي في اجتماعه المقبل. فإذا قرر الفدرالي خفض أسعار الفائدة مجددًا، فإن ذلك قد يؤدي إلى دعم إضافي لأسعار الذهب، التي يُنظر إليها كملاذ آمن في فترات عدم اليقين الاقتصادي. من جهة أخرى، إذا استمر التضخم في الارتفاع، فقد يواجه الذهب تحديات في الحفاظ على مكاسبه، وهو ما سيعتمد على كيفية استجابة الفدرالي لهذه الضغوط التضخمية.
يبقى أن نرى كيف ستتفاعل الأسواق مع هذه المتغيرات، حيث أن أسعار الذهب ستظل عرضة للتقلبات الكبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، لا سيما في ظل التوقعات المتزايدة بأن الاحتياطي الفدرالي قد يواجه تحديات كبيرة في تحجيم التضخم دون التأثير سلبًا على النمو الاقتصادي.