الذكاء الاصطناعي يكتاح عالم الفن وأصبح مبدعًا مشاركًا . تحولت تقنية الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة من أداة مساعدة إلى شريك رئيسي في صناعة الفن، حيث لم تعد مجرد وسيلة لتسهيل بعض العمليات التقنية.
بل أصبحت عنصرًا أساسيًا في تطوير الأعمال الغنائية، الدرامية، السينمائية، وحتى في صناعة الكليبات والفيديوهات الموسيقية. هذه التقنية أحدثت نقلة نوعية في طريقة التفكير الإبداعي، وجعلت من الممكن إنتاج أعمال فنية لم يكن من السهل تنفيذها سابقًا ضمن الميزانيات والوقت المتاح.
من العود إلى الكود: دور AI في صناعة الموسيقى
في مجال الموسيقى، بات بعض صناع الأغاني في مصر والوطن العربي يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقطوعات كاملة أو تحديد وتيرة موسيقية محددة. هذه التقنية تتيح لهم صياغة ألحان متكاملة وتطوير تدرجات موسيقية وفق المشاعر المطلوبة، سواء كانت رومانسية، درامية، أو مرحة.
يستخدم الموسيقيون أدوات مثل Aiva، Amper، وEcrett Music لإنشاء مقدمة موسيقية أو بناء هيكل لحني كامل، وذلك عبر إدخال مجموعة من المعايير مثل الإيقاع، نوع الآلات الموسيقية، والحالة المزاجية للعمل. بعد ذلك يقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد سلسلة نغمات متجانسة يمكن أن تشكل أساس العمل الفني، مع إمكانية إجراء تعديلات بشرية لاحقة على النتائج.
بفضل هذه التقنية، لم يعد المنتج الفني يعتمد بالكامل على الخيال البشري، بل أصبح الدمج بين الإبداع البشري والمعالجة الرقمية قاعدة جديدة لصناعة الموسيقى. هذه الطريقة ساهمت في تسريع عمليات التأليف، توفير الوقت، وإتاحة مساحة أكبر للتجربة الإبداعية في إعداد الأغاني والمقطوعات.
الكليبات الغنائية: رؤية بصرية جديدة بتوقيع AI
في صناعة الفيديو كليب، لجأ المخرجون إلى الذكاء الاصطناعي لتوليد مشاهد خيالية ومؤثرات بصرية تتماشى مع كلمات الأغنية وأجوائها، سواء بمشاركة الفنان نفسه أو بدون الحاجة له. هذه الطريقة وفرت كثيرًا من التكاليف المادية، إذ أصبح بالإمكان استبدال بناء ديكورات ضخمة ومكلفة بمحاكاة رقمية باستخدام تقنيات AI.
وقد شهدت الفترة الأخيرة طرح العديد من الكليبات التي تم تصميمها بصريًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثل:
“عكينا” للمطرب موسى
“مفيش ممنوع” و”يا ليالي” للنجمة لطيفة
“أمور بسيطة” لهشام جمال وليلى أحمد زاهر
“كنا في مكان” للمطربة كارمن سليمان
“لو جاي في سيط” للنجم رضا البحراوي
“ترقيص” للنجم راغب علامة
“طيبة تاني لأ” للنجم محمد رمضان
“أشتكي لله” للنجم عاضي الحلاني
“تيجوا نفرفش” للكابو حميد الشاعري
هذا التوجه ليس مقصورًا على الأغاني الطربية فقط، بل يشمل جميع أنواع الأغاني التي تستهدف جمهورًا واسعًا، حيث توفر التقنية قدرة على إنشاء محتوى بصري مبهر يضيف قيمة كبيرة للتجربة الفنية للمشاهد.
الدراما والسينما: إعادة الزمن وإبهار المشاهد
في مجال الدراما والسينما، أصبح من الشائع رؤية مشاهد “فلاش باك” تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتصوير الفنانين بملامح أصغر عمرًا، ما يوفر إمكانية العودة بالممثلين إلى مراحل عمرية سابقة دون الحاجة لممثل بديل.
كما يستخدم المخرجون AI لمحاكاة حركات الجسد في مشاهد الأكشن، ما يغني عن الاعتماد على مؤدي الحركات الخطرة أو التصوير المعقد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي توليد مؤثرات صوتية دقيقة، تشمل أصوات الطبيعة، المعارك، أو حتى التفاعل بين الشخصيات والمحيط.
وفي مرحلة ما بعد الإنتاج، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها لتحسين التحرير والمونتاج، وإضافة مؤثرات بصرية متقدمة، مما يسهم في إنتاج أعمال تجارية ذات جودة عالية وبكلفة أقل مقارنة بالأساليب التقليدية.
التوازن بين الإبداع البشري والتقنية الرقمية
رغم التقدم الكبير الذي أتاحته تقنيات الذكاء الاصطناعي، يشدد خبراء صناعة الفن على أهمية التوازن بين الإبداع البشري والتقنية الرقمية. فالأعمال الفنية لا تزال بحاجة للرؤية الإنسانية، الحس الفني، واللمسة الشخصية التي لا يمكن للتكنولوجيا أن تحاكيها بالكامل. ومع ذلك، يوفر AI أدوات تمكّن الفنانين من توسيع حدود خيالهم وتجربة أفكار جديدة لم يكن بالإمكان تنفيذها سابقًا.
باختصار، أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا حقيقيًا في صناعة الفن، ليس فقط كأداة مساعدة، بل كعنصر أساسي في صياغة الموسيقى، تصميم الفيديوهات، وإنتاج الأفلام والمسلسلات، مما يعكس ثورة نوعية في المشهد الفني العربي والعالمي على حد سواء.