35
الدولار الأمريكي يشهد ارتفاعًا بسبب زيادة عوائد سندات الخزانة . ارتفع الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ اليوم الخميس، وذلك بدعم من زيادة عوائد سندات الخزانة الأمريكية، ما أدى إلى وضع ضغط كبير على العملات الرئيسية الأخرى مثل الين الياباني، الجنيه الإسترليني، واليورو.
تأتي هذه التحركات في وقت حساس للغاية، حيث اقتربت العديد من العملات العالمية من أدنى مستوياتها في عدة أشهر، وسط التهديدات المتزايدة المتعلقة بالرسوم الجمركية، التي فرضت مخاوف من تأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.
في عام 2025، تتوجه الأنظار إلى سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي يعود إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني. ويترقب المحللون التأثيرات المحتملة لهذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي. حيث يُتوقع أن تؤدي سياسات ترامب إلى تحفيز النمو الاقتصادي، بينما سيترتب على ذلك أيضًا ضغوط على الأسعار.
فقد أفادت التقارير بأن ترامب يخطط لإعلان حالة الطوارئ الاقتصادية الوطنية من أجل توفير مبرر قانوني لتنفيذ سلسلة من الرسوم الجمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء. ومع ذلك، فقد نفى ترامب في وقت لاحق التقارير التي أفادت بفرض رسوم جمركية على منتجات معينة بشكل أدق.
هذا التهديد المستمر لفرض رسوم جمركية شاملة، والذي يعكس توجهات ترامب الاقتصادية، أسهم بشكل غير مباشر في زيادة عوائد السندات الأمريكية. حيث وصل العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل 10 سنوات إلى 4.73% يوم الأربعاء، وهو أعلى مستوى له منذ أبريل/نيسان الماضي، مع تسجيله 4.67% في ساعات التداول الآسيوية.
ووفقًا لما ذكره كيران ويليامز، رئيس قسم الصرف الأجنبي في إن تاتش كابيتال ماركتس، فإن التغيرات المتلاحقة في سياسات ترامب حول الرسوم الجمركية تؤثر بشكل ملحوظ على الدولار الأمريكي، ويبدو أن هذا التقلب سيكون جزءًا من الواقع الذي ستتعامل معه الأسواق على مدى السنوات الأربع المقبلة.
في هذا السياق، أسهم تصاعد الإقبال على شراء السندات الحكومية الأمريكية في دعم قوة الدولار، في حين أن التراجع في العملات الأخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني جاء نتيجة لتأثيرات هذه السياسات الاقتصادية العالمية.
اليورو والجنيه الإسترليني تحت الضغط:
في الوقت الذي شهد فيه الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا، انخفض اليورو إلى مستوى 1.03095 دولار، ليظل قريبًا من أدنى مستوى له في عامين، الذي سجله الأسبوع الماضي. وكان القلق من تهديدات الرسوم الجمركية قد ألقت بظلالها على مستقبل اليورو، مما أثار مخاوف بين المستثمرين من أن العملة الموحدة قد تهبط إلى أدنى مستوى لها هذا العام أمام الدولار.
أما الجنيه الإسترليني، فقد استقر عند مستوى 1.2353 دولار في بداية التعاملات الآسيوية، ولكن من الواضح أن ضغوط عوائد السندات البريطانية قد تسببت في هبوطه إلى أدنى مستوياته منذ أبريل/نيسان الماضي، مع ارتفاع عوائد السندات البريطانية إلى أعلى مستوياتها في سنوات عدة. وعلق كريس ويستون، رئيس الأبحاث في بيبرستون، قائلاً: “من الواضح أن هناك سببًا لمراقبة سوق السندات في المملكة المتحدة عن كثب، حيث أن الاتجاه الأخير يمثل مصدر قلق كبير”.
تاريخيًا، كانت تحركات الجنيه الإسترليني وعوائد السندات البريطانية قد شهدت انخفاضًا حادًا في سبتمبر/أيلول 2022 عقب تقديم “الميزانية المصغرة” التي أدت إلى اضطرابات شديدة في السوق البريطاني. ومع استمرار الارتفاعات في عوائد السندات، فإن الاتجاه العام للعملة البريطانية يظل تحت ضغط.
مؤشر الدولار وتوقعات الأسواق:
وبينما ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام ست عملات رئيسية أخرى، إلى 109.03 نقطة، فقد سجل هذا المؤشر مستوى قريبًا من أعلى نقطة له في عامين، والتي وصل إليها الأسبوع الماضي. وحقق المؤشر مكاسب قوية بلغت نحو 7% خلال العام الماضي، بعدما تكيف المتعاملون مع التوقعات الخاصة ببطء خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
فيما يتعلق بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فقد أثار تصريحاته الأخيرة قلقًا لدى الأسواق، حيث توقع البنك الفيدرالي في وقت سابق من الشهر الماضي خفضًا لأسعار الفائدة في عام 2025 بمقدار مرتين فقط، بعد أن كانت التوقعات السابقة تشير إلى خفضها أربع مرات. هذا التعديل في التوقعات يعكس القلق بشأن التضخم والسياسات الاقتصادية المقبلة التي قد تؤثر على استقرار السوق.
كما أظهرت محاضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول، التي تم نشرها يوم الأربعاء، أن البنك المركزي الأمريكي أصبح أكثر قلقًا بشأن التضخم، كما أشار إلى أن السياسات الاقتصادية القادمة قد تؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة.
الين الياباني في وضع حرج:
أما الين الياباني، فقد تعرض لضغوط إضافية مع تسجيله أدنى مستوى له في نحو ستة أشهر، حيث بلغ 158.2 ين مقابل الدولار، ليقترب من مستوى 160 الذي سبق أن دفع الحكومة اليابانية إلى التدخل في السوق في يوليو/تموز الماضي.
وبالرغم من أن الين قد سجل انخفاضًا بنسبة تزيد عن 10% أمام الدولار في العام الماضي، إلا أن المتداولين يتوخون الحذر من جولة جديدة من التدخل الحكومي، خاصة في ظل التوقعات بأن يكون هناك مزيد من التأثير على السوق قبل اجتماع بنك اليابان في وقت لاحق من هذا الشهر.
في ذات السياق، أظهرت البيانات الصادرة يوم الأربعاء تدهورًا في معنويات المستهلكين في اليابان لشهر ديسمبر/كانون الأول، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الإنفاق الأسري على دعم الاقتصاد الياباني، وبالتالي تأثير ذلك على سياسة البنك المركزي الياباني.
في الختام، تبقى الأسواق المالية في حالة ترقب لتطورات السياسات الاقتصادية العالمية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، مع تزايد الضغوط على العملات الأخرى في ظل التغيرات المستمرة في عوائد السندات الأمريكية والتوجهات المحتملة للرئيس الأمريكي المنتخب. إن تأثير هذه السياسات على الدولار الأمريكي سيظل مؤثرًا في حركة الأسواق العالمية، في وقت يتزايد فيه القلق من التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمي.