الخمول البدني عامل رئيسي في زيادة احتمالية الاكتئاب . تشير الدراسات النفسية والطبية الحديثة إلى الدور المحوري الذي تلعبه الساعة البيولوجية في تنظيم صحة الإنسان الجسدية والنفسية على حد سواء.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن الساعة البيولوجية الموجودة داخل المخ تتحكم بدقة في ضبط إيقاع دورة الليل والنهار، وهي ليست مرتبطة فقط بمواعيد النوم أو بكمية الضوء الذي تتعرض له العين، بل تمتد لتشمل ضبط جميع الوظائف الحيوية في الجسم.
وتشمل هذه الوظائف إفراز الهرمونات، وتنظيم عمل جهاز المناعة، والحفاظ على التوازن الكيميائي الداخلي للجسم، بما في ذلك المواد العصبية المسؤولة عن المزاج مثل السيروتونين والدوبامين، اللذين يُعرفان بكونهما هرمونات السعادة والتوازن النفسي.
وأكد “المهدي” خلال تقديمه لبرنامج “راحة نفسية” المُذاع على قناة “الناس”، أن أي خلل في مواعيد التعرض للضوء الطبيعي، أو قلة الحصول على ضوء الشمس بشكل يومي، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب الساعة البيولوجية، مما ينعكس على الصحة العامة والنفسية للإنسان.
فضعف التعرض للضوء يقلل من إفراز المواد الطبيعية التي تحمي المخ من الاكتئاب، وهو ما يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بما يُعرف بـ الاكتئاب الموسمي، حتى وإن كان يعيش في بلد مشمس.
وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن من الأخطاء الشائعة لدى الكثيرين إغلاق النوافذ والشرفات معظم الوقت، وحجب ضوء الشمس باستخدام الستائر الثقيلة، خاصة في فصل الشتاء.
هذه الممارسات، بحسب قوله، تحرم الجسم والعقل من ضوء النهار الطبيعي الذي يُعد بمثابة “علاج مجاني” للحالة النفسية، داعيًا إلى فتح النوافذ بانتظام وترك أشعة الشمس تدخل إلى المنزل، لما لذلك من تأثير إيجابي مباشر على الصحة النفسية والوقاية من الاكتئاب.
النشاط البدني ودوره في مقاومة الاكتئاب
وفي جانب آخر، شدد الدكتور “المهدي” على أن قلة الحركة، خصوصًا في فصل الشتاء، تزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب، على عكس فصل الصيف الذي يتميز بزيادة النشاط والحركة. وأوضح أن ممارسة النشاط البدني تُعتبر من أهم مضادات الاكتئاب الطبيعية التي يمكن لأي شخص القيام بها دون تكلفة.
حيث تساعد التمارين الرياضية على تنشيط الدورة الدموية، وتحفيز إفراز الهرمونات المرتبطة بالراحة النفسية. ونصح بأبسط أنواع الرياضة وأكثرها فاعلية وهي المشي اليومي لمدة نصف ساعة على الأقل، خاصة في أوقات النهار وفي أماكن مفتوحة تسمح بالتعرض للشمس والهواء النقي.
العلاقة بين الطبيعة والصحة النفسية
كما أضاف أن حرمان الإنسان من التفاعل مع الطبيعة من العوامل المباشرة التي قد تزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب. فالطبيعة، بما تحتويه من مساحات خضراء ومسطحات مائية كالنيل والبحيرات والبحار، تترك أثرًا نفسيًا إيجابيًا عميقًا.
مشاهدة هذه المناظر الطبيعية تُرسل رسائل مباشرة إلى المخ بأن الحياة جميلة ومليئة بالجمال، وهو ما يساهم في تحسين المزاج العام، وتعزيز الشعور بالرضا والراحة الداخلية.
وأكد أن المخ لديه قدرة فريدة على تخزين الصور والانطباعات التي يراها الإنسان في حياته اليومية، فإذا امتلأت ذاكرة الإنسان بالمناظر الطبيعية المبهجة، فإنها تمنحه طاقة إيجابية تدوم لفترات طويلة، وتعمل كعامل وقائي ضد الضغوط النفسية والاكتئاب.
خلص الدكتور “المهدي” في حديثه إلى أن التعرض للضوء الطبيعي، ممارسة النشاط البدني المنتظم، والتفاعل مع الطبيعة، ليست مجرد رفاهية، وإنما هي أدوات علاجية ووقائية أساسية للحفاظ على الصحة النفسية.
فالاكتئاب، رغم كونه مرضًا معقدًا، يمكن الوقاية منه بدرجة كبيرة من خلال الاهتمام بنمط الحياة اليومي، وتبني عادات صحية بسيطة مثل فتح النوافذ للشمس، المشي في الهواء الطلق، ومشاهدة المناظر الطبيعية.
بهذه التوصيات، يوجه “المهدي” رسالة عملية لكل إنسان يسعى للحفاظ على استقرار نفسيته، مؤكدًا أن الصحة العقلية لا تنفصل عن الجسد، وأن الاهتمام بالعوامل البيئية والطبيعية المحيطة بنا قد يكون الخطوة الأولى نحو حياة أكثر توازنًا وسعادة.