التهاب الكبد B وC تحت المجهر.. خطوات الوقاية تبدأ بالوعي . يُعد التهاب الكبد الوبائي من النوعين B وC من أخطر الأمراض الفيروسية التي تصيب الكبد وتؤثر على وظائفه الحيوية، حيث يؤكد الدكتور “فلاديمير نيرونوف”، أخصائي الأمراض المعدية، أن هذين النوعين من الفيروسات يتسمان بسرعة الانتقال وشدة التأثير، ويمكن أن يؤديان إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى تليّف الكبد أو حتى الإصابة بسرطان الكبد.
طرق انتقال العدوى
ينتقل فيروس التهاب الكبد B وC عبر الدم، واللعاب، والسوائل البيولوجية، كما يمكن أن يحدث الانتقال من خلال أدوات طبية أو تجميلية غير معقمة، أثناء الجماع، أو عند نقل دم ملوث، أو حتى من خلال مشاركة فرشاة أسنان أو شفرة حلاقة مع شخص مصاب.
ويحذّر الدكتور نيرونوف من أن فيروس التهاب الكبد B على وجه الخصوص يُعد أكثر عدوى من فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) بعشرات المرات. هذا الأمر يشكل تهديدًا خاصًا للأشخاص الذين يعملون في المجال الطبي، حيث تشير الإحصاءات إلى أن خطر الإصابة لديهم يفوق ما هو عليه لدى عامة السكان بثلاث إلى خمس مرات، نظرًا لتعاملهم المستمر مع أدوات حادة وسوائل جسدية.
أعراض التهاب الكبد B
تختلف أعراض التهاب الكبد B حسب طبيعة الإصابة، ففي الحالات الحادة قد تظهر على المريض أعراض واضحة تشمل الحمى الشديدة، الغثيان، القيء، تغير لون البول إلى الداكن، واصفرار الجلد والعينين المعروف باليرقان. ولكن في كثير من الأحيان، لا يُظهر المرض أي أعراض في بدايته، مما يؤدي إلى تحوّله إلى شكل مزمن دون أن يشعر المريض بذلك، ما يعرض الكبد لأضرار دائمة ومتراكمة.
وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي الإصابة المزمنة إلى مشاكل صحية خطيرة مثل تليّف الكبد أو سرطان الكبد. ويزيد ذلك من أهمية التوعية الصحية والفحوصات الدورية للكشف المبكر عن المرض.
العلاج والوقاية من التهاب الكبد B
حتى الآن، لا يوجد علاج نهائي للحالة الحادة من التهاب الكبد B، بل يقتصر العلاج على التخفيف من الأعراض والحرص على الراحة الجسدية واتباع نظام غذائي صحي. وتُعدّ الوقاية، بحسب الدكتور نيرونوف، السلاح الأقوى في مكافحة هذا المرض، خاصة من خلال التلقيح، الذي أثبت فعاليته العالية.
يتم إعطاء لقاح التهاب الكبد B على ثلاث جرعات: الجرعة الأولى تليها الثانية بعد شهر، بينما تُعطى الجرعة الثالثة بعد خمسة أشهر من الثانية. ويؤدي هذا النظام إلى تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج مناعة طويلة الأمد ضد الفيروس، ما يوفر حماية فعّالة من الإصابة.
فيروس التهاب الكبد C.. القاتل الصامت
أما فيما يتعلق بالتهاب الكبد C، فيتميز هذا الفيروس بخطورة خاصة تتمثل في أنه غالبًا لا يسبب أعراضًا في مراحله الأولى، ولهذا يطلق عليه “القاتل الصامت”، حيث يستمر في تدمير خلايا الكبد ببطء على مدار سنوات دون أن يلاحظ المريض أي تغيير في حالته الصحية.
تنتقل عدوى هذا الفيروس بشكل أساسي عبر الدم، من خلال عمليات نقل دم غير آمنة، أو استخدام الإبر غير المعقمة، أو أثناء بعض الإجراءات التجميلية كوشم الجلد أو تقليم الأظافر في أماكن غير مؤهلة صحيًا. وفي بعض الحالات النادرة، يمكن أن ينتقل عبر الاتصال الجنسي أو من الأم إلى الجنين أثناء الحمل أو الولادة.
تطور المرض وصعوبة اكتشافه
تكمن خطورة التهاب الكبد C في صعوبة تشخيصه، حيث إن الأعراض التي قد تظهر مثل التعب المستمر، الضعف العام، أو الشعور بألم خفيف في الجانب الأيمن العلوي من البطن، ليست محددة، ولا ترتبط بشكل مباشر بمرض الكبد. وفي كثير من الأحيان لا تظهر الأعراض المعروفة مثل اليرقان، مما يجعل اكتشاف المرض عرضيًا أثناء إجراء فحوصات لمشكلات صحية أخرى.
وبمرور الوقت، قد يؤدي التهاب الكبد C إلى تطور مضاعفات مزمنة تشمل التليّف الكبدي، فشل الكبد، وحتى سرطان الكبد، مما يعزز أهمية إجراء تحاليل دورية، خاصة للأشخاص الذين سبق أن خضعوا لعمليات جراحية أو تلقوا عمليات نقل دم في فترات سابقة.
هل يوجد علاج أو لقاح لفيروس C؟
حتى وقت قريب، لم يكن هناك علاج فعّال لفيروس التهاب الكبد C، ولكن التطورات العلمية في السنوات الأخيرة أدت إلى التوصل إلى أدوية حديثة مضادة للفيروسات أثبتت نجاحًا كبيرًا، حيث تصل نسبة الشفاء بها إلى أكثر من 95% من الحالات عند اكتشاف المرض في مراحله المناسبة.
رغم هذا التقدم، يظل غياب اللقاح المضاد لفيروس C أحد التحديات الكبرى، ما يجعل الوقاية هي الركيزة الأساسية لحماية الأفراد والمجتمع من هذا المرض.
إجراءات الوقاية الأساسية
يشدد الدكتور نيرونوف على أن الوقاية من فيروسات الكبد تعتمد على التوعية والاحترازات الصحية الصارمة، ومن بين الإجراءات الأساسية:
التأكد من تعقيم الأدوات الطبية وأدوات التجميل قبل الاستخدام.
الامتناع عن مشاركة الأدوات الشخصية مثل شفرات الحلاقة أو فرش الأسنان.
تجنب تعاطي المخدرات وخاصة التي تُحقن.
استخدام الواقيات الطبية أثناء العلاقة الجنسية مع الشريك غير المؤكد من حالته الصحية.
إجراء فحوصات دم دورية خاصة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة.
الحرص على تلقي اللقاح المضاد لفيروس B.
التحقق من مصدر الدم المنقول في المستشفيات أو مراكز التبرع.
نشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع حول طرق العدوى والوقاية.
أهمية التشخيص المبكر والتدخل العلاجي
التشخيص المبكر له دور بالغ الأهمية في تحسين نتائج العلاج، خاصة في حالة التهاب الكبد C، حيث إن تدخل العلاج في المراحل الأولى يساعد على إيقاف تطور المرض وتجنب المضاعفات الكبدية الخطيرة. ويوصي الأطباء بإجراء اختبارات الدم الخاصة بالكشف عن الأجسام المضادة للفيروس، خاصة في حال وجود تاريخ مرضي أو مهني يزيد من احتمالية التعرض للإصابة.
يظل التهاب الكبد B وC من أخطر التهديدات الصحية الصامتة في العالم، نظرًا لسهولة انتقال العدوى وخطورة مضاعفاته على صحة الإنسان، وعلى الرغم من التقدم الطبي الكبير في طرق التشخيص والعلاج، فإن الوقاية ستبقى دومًا هي خط الدفاع الأول ضد هذه الأمراض الفيروسية.
وعي الأفراد، وتطبيق ممارسات صحية صارمة، والتشخيص المبكر، والتطعيم حيثما توفر، يمكن أن تشكّل فارقًا حقيقيًا في تقليل انتشار المرض وإنقاذ الأرواح.
