التصوف الإسلامي السبيل المثالي لعلاج الروح والنفس البشرية . في إطار فعاليات الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عقد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لقاءً فكريًا هامًا في جناح المجلس. وكان اللقاء بعنوان “إحدى القضايا المحورية في التصوف الإسلامي”، حيث ناقش الوزير خلاله عدة محاور رئيسية تتعلق بتصحيح المفاهيم وتوضيح دور التصوف في تهذيب النفس البشرية.
بدأ الدكتور أسامة الأزهري حديثه بالتركيز على الفكر التكفيري الذي يعتبره أحد أهم التحديات الفكرية التي تهدد المجتمعات الإسلامية والعالم بأسره. وأكد أن الفكر التكفيري يمثل بابًا خطيرًا لكل شر، ويعد بمثابة مفتاح للإرهاب والتطرف. فقد أشار إلى أن العديد من تيارات العنف والتشدد قد انطلقت من فكرة التكفير، معتبرًا إياها أساسًا فكريًا لهذه الظواهر المدمرة. وأضاف الوزير أن الفكر التكفيري يشكل الخطر الأعظم على الأديان والمجتمعات، وأنه لابد من التصدي لهذا الفكر بتوعية المجتمع وتبني الفكر الوسطي المعتدل الذي يعزز السلام والرحمة.
وفي سياق حديثه عن التصوف الإسلامي، أكد الدكتور الأزهري أن التصوف يعد العلاج الأمثل للنفس البشرية، وذلك في مواجهة شهوات الإنسان وتغلبه على النزعات السلبية التي قد تعصف به. وقد أشار إلى أن التصوف لا يقتصر فقط على الجانب الروحي، بل هو نظام متكامل يساعد الإنسان على تهذيب نفسه وتحقيق السلام الداخلي، مما ينقذه من براثن الأنانية والتكبر. فالتصوف، بحسب الوزير، يعزز من قيمة الأخلاق والروحانيات في النفس البشرية، ويسهم في بناء شخصية متوازنة وقوية تسعى دائمًا نحو الفضيلة والإيثار في التعامل مع الآخرين.
أشار الدكتور الأزهري إلى أن التصوف الحقيقي لا يقتصر على المظاهر الدينية أو الروحية فقط، بل يتطلب تطهيرًا دائمًا للنفس البشرية. وأوضح ذلك من خلال استحضار موقف الإمام سري الدين السقطي، الذي بقي يستغفر الله لمدة ثلاثين عامًا، بعد أن شعر بالأنانية بسبب شعوره بالفرح لنجاة دكانه من حريق ضخم، بينما تجاهل معاناة الآخرين. هذا الموقف، وفقًا لما قاله الوزير، يعكس جوهر التصوف الحقيقي الذي يُعلم الإنسان اليقظة المستمرة للنفس، ويحثه على تطهيرها من العلل النفسية مثل الكبر والأنانية.
كما شدد وزير الأوقاف على ضرورة القراءة المستمرة والتمسك بالمعرفة العميقة لفهم مغزى التصوف وتأثيره على النفس البشرية. وأكد أن من أبرز الأعمال التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال هو كتاب “باطن الإثم” للإمام الشهيد البوطي، الذي يسلط الضوء على طرق تهذيب النفس وتعزيز الروحانية. هذا الكتاب، وفقًا للأزهري، يمثل مرجعًا هامًا في استلهام معاني التصوف وأثره العميق في شفاء النفس البشرية من الآفات الأخلاقية.
وقد ختم اللقاء بتأكيد أهمية القرآن الكريم كمرجع أول وأساسي في حياة المسلم. فقد أكد الوزير أن القرآن يقدم خطابًا إلهيًا خالدًا يمكن أن يرشد الإنسان في كافة مراحل حياته، مشيرًا إلى أن القرآن يعبر فوق حدود الزمان والمكان، ويحتوي على توجيهات واضحة تدل المسلم على كيفية التعامل مع نفسه ومع مجتمعه بما يضمن له السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
وعلى ضوء هذه اللقاءات الفكرية، أشار الوزير إلى أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مستمر في تقديم فعاليات معرفية وتنويرية على مدار أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب. حيث يتم تنظيم لقاءات وندوات تهدف إلى نشر الوعي الفكري وتعزيز القيم الروحية والأخلاقية في المجتمع. وهذا يأتي في إطار الدور التثقيفي الذي يلعبه المجلس، الذي يسعى دائمًا لنشر الفكر الوسطي المعتدل وتعزيز فهم الإسلام الصحيح بعيدًا عن التطرف والانحراف.
وأكد الدكتور أسامة الأزهري أن هذه الفعاليات تأتي في وقت بالغ الأهمية، حيث أن العالم يعاني من تحديات فكرية وأيديولوجية تهدد السلام الاجتماعي، وخصوصًا في ظل انتشار الأفكار المتطرفة. ولهذا، فإن رسالة المجلس لا تقتصر فقط على نشر المعرفة الدينية، بل تشمل أيضًا دورًا كبيرًا في تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز القيم الإنسانية التي تنادي بها الأديان السماوية.
واختتم اللقاء بتوجيه رسالة هامة للمجتمع، داعيًا الجميع إلى الاهتمام بتعلم العلم الصحيح، والابتعاد عن التأثر بالأفكار المتطرفة، مؤكدًا على ضرورة العناية بتعليم الأجيال القادمة وتزويدهم بالمعرفة التي تساعدهم في تكوين شخصية متوازنة أخلاقيًا وروحيًا. وشدد على أهمية التصوف في تحقيق هذه الأهداف، معتبراً إياه أحد أعمدة تعزيز الأخلاق وتهذيب النفس في المجتمع.
وقد لاقى اللقاء صدى واسعًا بين الحضور، حيث تفاعل الجمهور مع الموضوعات التي تم تناولها، مؤكدين على أهمية طرح هذه القضايا على المنابر العامة، خاصة في ظل التحديات الفكرية التي تواجه الأمة الإسلامية.