التدخين والموت البطيء كم من حياتك تفقد مع كل سيجارة؟ تظهر التحليلات الجديدة أن تأثير التدخين على العمر طويل الأمد قد يكون أكثر تدميرًا مما كان يعتقد سابقًا. فبينما كانت الدراسات السابقة تشير إلى أن كل سيجارة تقصر حياة المدخن بمقدار 11 دقيقة فقط، تظهر الأبحاث الجديدة أن هذا التأثير أقوى بكثير، حيث يفقد المدخنون في المتوسط 20 دقيقة من حياتهم مع كل سيجارة يتم تدخينها.
وفقًا للنتائج الحديثة، تختلف هذه الأرقام بين الجنسين؛ فالرجال يفقدون حوالي 17 دقيقة من عمرهم مع كل سيجارة، في حين تفقد النساء نحو 22 دقيقة. تستند هذه الأرقام إلى بيانات محدثة من دراسات طويلة الأمد تتبع صحة السكان في مختلف الفئات العمرية. وقد أظهرت هذه الدراسات أن التأثير السلبي للتدخين على العمر ليس مجرد خسارة وقت مؤقت، بل هو ضرر تراكمي يتزايد مع مرور الوقت.
يشير الباحثون من كلية لندن الجامعية إلى أن ضرر التدخين لا يتوقف عند مجرد تقصير العمر، بل يتراكم بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تدهور صحة الشخص بشكل أسرع. ووفقًا للنتائج، فإن المدخن الذي يوقف عادة التدخين في وقت مبكر يمكنه أن يطيل حياته بشكل ملحوظ.
على سبيل المثال، إذا توقف شخص مدخن عن تدخين 10 سجائر يوميًا في 1 يناير، فإنه يمكن أن يمنع فقدان يوم كامل من حياته بحلول 8 يناير. وبالاستمرار في الإقلاع عن التدخين حتى 20 فبراير، يمكنه تمديد حياته لمدة أسبوع كامل. وإذا استمر في الامتناع عن التدخين حتى 5 أغسطس، فربما يعيش شهرًا إضافيًا من العمر مقارنة بمن يستمر في التدخين.
أحد الأبعاد المهمة التي كشفت عنها الدراسة هو أن التدخين لا يؤدي فقط إلى تقصير العمر بشكل عام، بل يقلل أيضًا من السنوات التي يقضيها الشخص بصحة جيدة. فقد أظهرت الدراسات أن المدخنين يفقدون سنوات من حياتهم الصحية بمعدل مشابه لفقدانهم السنوات الإجمالية من العمر.
بمعنى آخر، لا يقتصر تأثير التدخين على تقصير العمر الزمني فقط، بل يمتد أيضًا إلى تدهور الصحة بشكل أسرع. على سبيل المثال، إذا كان شخص يبلغ من العمر 60 عامًا ويدخن، فإن حالته الصحية تكون أقرب إلى حالة شخص غير مدخن في السبعين من عمره. وهذا يعني أن التدخين يسرع من ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر، مثل الأمراض القلبية والتنفسية والسرطان، مما يجعل المدخن يظهر أكبر سنًا وأكثر ضعفًا صحيا مقارنة بمن لا يدخن في نفس العمر.
علاوة على ذلك، أكد الباحثون أن التأثير السلبي للتدخين لا يقتصر على المدخنين فقط، بل يمتد أيضًا إلى أولئك الذين يتعرضون للتدخين السلبي. فتدخين شخص آخر حولك قد يعرضك لنفس المخاطر الصحية التي يواجهها المدخن نفسه. هذا ما يزيد من أهمية الإقلاع عن التدخين على مستوى المجتمعات ككل، حيث أن تقليل عدد المدخنين سيسهم في تحسين صحة المجتمع بشكل عام.
وأكد الباحثون أن كلما قرر المدخن أن يتوقف عن التدخين في مرحلة مبكرة من حياته، زادت فرصه في العيش بشكل أطول وأكثر صحة. وأوضحوا أن الإقلاع عن التدخين له تأثير كبير على تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وتنظيم ضغط الدم، وتحسين وظائف الرئة. وقد أظهرت الدراسات أن المدخنين الذين أقلعوا عن التدخين لفترة طويلة شهدوا تحسنًا ملحوظًا في وظائف الرئة وتحسنًا عامًا في نوعية حياتهم.
وأشارت الدراسة إلى أن الإقلاع عن التدخين لا يعني فقط استعادة بعض سنوات الحياة المفقودة، بل يعني أيضًا عيش هذه السنوات بصحة أفضل وبحياة خالية من الأمراض المزمنة التي يسببها التدخين. وأوضح الباحثون أن المدخنين الذين يقرون بآثار التدخين على صحتهم ويرغبون في الإقلاع عن هذه العادة يتمكنون من تحسين نوعية حياتهم بشكل كبير بعد فترة قصيرة من الإقلاع. وفي بعض الحالات، قد يبدأ المدخنون الذين يقلعون عن التدخين في ملاحظة تحسن في التنفس، وزيادة في مستويات الطاقة، وتحسن في مستوى النوم.
من جانبه، أكدت الدكتورة سارة جاكسون، زميلة البحث الرئيسية في مجموعة أبحاث الكحول والتبغ بجامعة لندن، على ضرورة أن يفهم الناس مدى ضرر التدخين على صحتهم وطول أعمارهم. وقالت إن “الإقلاع عن التدخين في أي مرحلة من العمر مفيد، ولكن كلما توقف المدخنون عن هذا المسار نحو الموت في وقت مبكر، زادت فرصهم في العيش حياة أطول وأكثر صحة”. وأضافت أنه لا يوجد وقت متأخر للإقلاع عن التدخين، وكلما بدأ المدخن في الإقلاع عن هذه العادة مبكرًا، كلما كانت الفوائد أكبر.
في النهاية، تكشف هذه الدراسة عن أن التدخين ليس مجرد مشكلة صحية فردية، بل هو قضية صحية جماعية تؤثر على الجميع. وبالطبع، فإن الإقلاع عن التدخين يعد الخطوة الأكثر فعالية لتحسين الصحة العامة وتقليل المخاطر الصحية. إن فهم هذه الحقائق ودعم الجهود المبذولة للحد من التدخين في المجتمع يمكن أن يسهم في تحسين جودة الحياة للأفراد والمجتمعات على حد سواء.