ووسط هذا الزخم، سلط جاد حريري، الخبير المالي والمصرفي، الضوء على أهم العوامل المؤثرة في هذا الصعود، مرجحًا أن يشهد سعر البيتكوين قفزات تاريخية قد تقوده إلى مستويات غير مسبوقة، ربما تتجاوز المليون دولار في المستقبل القريب.
وقال حريري، في مقابلة مع قناة “العربية بيزنيس” يوم الإثنين، إن الأداء القوي للبيتكوين يعكس حزمة من التحولات الاقتصادية العالمية، التي جعلت المستثمرين، سواء الأفراد أو المؤسسات، يتوجهون بكثافة نحو الأصول الرقمية، باعتبارها ملاذًا آمنًا ضد التضخم وتقلبات الأسواق التقليدية.
خصائص البيتكوين.. لماذا يزداد الطلب؟
يرى حريري أن أحد العوامل الجوهرية في هذا الزخم السعري هو الندرة الرقمية التي يتمتع بها البيتكوين، حيث تم تحديد سقف عرضه عند 21 مليون وحدة فقط، وهو ما يميّزه عن باقي العملات التقليدية التي يمكن طباعتها دون قيود. هذا القيد الصارم في العرض، حسب قوله، يمنح البيتكوين قيمة تراكمية بمرور الوقت، ويحولّه إلى ما يشبه الذهب الرقمي.
وأضاف:
“كلما اقتربنا من استنفاد عدد البيتكوينات القابلة للتعدين، كلما زاد الضغط السعري بسبب تضاؤل المعروض، ما يعزز فرص الارتفاعات الحادة في الأسعار.”
حدث “التقسيم”.. نقطة مفصلية في تاريخ العملة
تناول الخبير المالي أحد أبرز الأحداث التقنية المؤثرة في سعر البيتكوين، وهو ما يُعرف بـ”التقسيم (Halving)”، الذي يحدث كل أربع سنوات، ويؤدي إلى تقليل المكافأة التي يحصل عليها المعدّنون إلى النصف. وأوضح أن هذا الحدث يحمل آثارًا قوية على السوق، حيث يعزز من ندرة العملة، وبالتالي يرتفع سعرها تلقائيًا.
وأشار حريري إلى أن التقسيمات السابقة كانت مؤشرات واضحة على الارتفاع اللاحق في السعر:
في عام 2012: ارتفع السعر من حوالي 600 دولار إلى مستويات فاقت التوقعات خلال أعوام قليلة.
في 2020: وصلت البيتكوين إلى ما يقرب من 70 ألف دولار.
ومع اقتراب تقسيم 2024، تشهد الأسواق حاليًا حركة تصاعدية قوية، قد تفتح الطريق نحو مستويات تفوق المليون دولار في المستقبل، حسب تقديره.
الطلب المؤسسي ودور الحكومات
وأبرز حريري أن من بين العوامل المحورية وراء الصعود الأخير هو الطلب المؤسسي المتزايد، حيث بدأت كبرى الشركات الاستثمارية وصناديق التحوط والبنوك العالمية في بناء مراكز شراء ضخمة للبيتكوين. كما أبدت بعض الحكومات اهتمامًا بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها بعملات رقمية.
وحذّر من أن هذا الطلب المتزايد، بالتزامن مع تقلص المعروض، قد يقود إلى ما يُعرف بـ”السوق السوداء للبيتكوين”، حيث يُباع ما تبقى من الوحدات بأسعار فلكية، بعيدًا عن التداول الرسمي.
وأضاف:
“عندما تُستنفد وحدات البيتكوين القابلة للتعدين، قد نكون أمام مشهد اقتصادي غير مسبوق، تتحكم فيه جهات محدودة تمتلك الأصول، وتدفع الأسعار إلى مستويات غير قابلة للتنبؤ.”
العملات المستقرة “ستيبل كوينز”.. التحدي التنظيمي الأكبر
وفي سياق متصل، أشار حريري إلى أن أحد أبرز مكونات النظام المالي الرقمي الجديد هو ظهور ما يُعرف بـ”العملات المستقرة – Stablecoins”، وهي عملات رقمية تُربط بأصول مستقرة مثل الدولار الأمريكي. وأوضح أن هذه العملات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من البنية التحتية المالية الحديثة، نظرًا لقدرتها على تقليل تقلبات السوق.
ولكن رغم ذلك، حذر الخبير المالي من مخاطر تنظيمية وهيكلية تهدد مستقبل هذه العملات، خاصة في ظل عدم وجود إطار تنظيمي موحد. وأوضح أن الولايات المتحدة تسعى حاليًا لوضع إطار قانوني صارم لعمل الستيبل كوينز، بما يمنحها هيمنة أكبر على حركة الأموال الرقمية عالميًا، ما قد يؤدي إلى نوع جديد من الصراع النقدي بين البنوك المركزية في الدول المختلفة.
انهيارات محتملة.. المخاطر التي تترقب السوق
وبينما أقر حريري بالدور الإيجابي الذي قد تلعبه العملات المستقرة، فقد حذّر في الوقت نفسه من هشاشة بعض الشركات المصدّرة لها، مثل “USDT” و”USDC”، والتي قد تواجه أزمات سيولة أو حتى الإفلاس، مما يهدد النظام المالي الرقمي بأكمله.
وأشار إلى أن أي انهيار مفاجئ في أسعار تلك العملات قد يُحدث صدمة في الأسواق، مشابهة لما حدث في أزمة “تيرا لونا” الشهيرة، وهو ما يستدعي تدخلًا تنظيميًا سريعًا لتجنب اضطرابات كارثية.
مليون دولار للبيتكوين.. حلم أم واقع محتمل؟
ختم حريري حديثه بالتأكيد على أن كافة المؤشرات تشير إلى حقبة جديدة في عالم المال الرقمي، تقودها البيتكوين والعملات المستقرة، موضحًا أن وصول البيتكوين إلى مليون دولار لم يعد مجرد تكهنات أو سيناريو بعيد المنال، بل أصبح خيارًا قائمًا، في حال استمر الزخم المؤسسي، وارتفع الطلب العالمي، وظلت العوامل التقنية والنقدية الداعمة في محلها.
وفي ظل عالم تتزايد فيه المخاوف من التضخم، والضغوط على العملات الورقية، والتوسع في الاستثمار الرقمي، يرى حريري أن المستثمرين بحاجة إلى تنويع محافظهم الاستثمارية، وعدم تجاهل الفرص التي تقدمها الأصول الرقمية، مع إدراك المخاطر المحتملة في هذا القطاع سريع التغير.
