البنتاغون يعلن حظر تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني ‘ديب سيك’ لأسباب أمنية . في الآونة الأخيرة، أثار تطبيق “ديب سيك” الكثير من الجدل في الساحة التقنية، بعدما حقق شهرة واسعة في الولايات المتحدة وتصدر تصنيفات متاجر التطبيقات مثل “أبل” و”غوغل”.
ورغم هذا النجاح الكبير، لم يكن انتشاره السريع خاليًا من المخاوف الأمنية التي دفعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى اتخاذ تدابير لحظر استخدامه داخل بعض شبكاته الخاصة. ورغم فرض هذه القيود، أظهرت تقارير أن بعض موظفي الوزارة لا يزالون قادرين على الوصول إلى التطبيق، مما أثار تساؤلات حول التداعيات الأمنية لتقنيات الذكاء الاصطناعي القادمة من الصين.
حظر تطبيق “ديب سيك” في البنتاغون
شرع البنتاغون في تطبيق حظر على استخدام تطبيق “ديب سيك” (DeepSeek) الصيني في إطار تدابير أمنية تهدف لحماية البيانات الوطنية في الولايات المتحدة. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبرغ”، يأتي هذا القرار على خلفية القلق المتزايد بشأن طريقة تعامل التطبيق مع بيانات المستخدمين.
والتي يتم تخزينها على خوادم صينية ويخضع القانون الصيني لتنظيمها، مما يفتح المجال للتعاون مع وكالات الاستخبارات الصينية. وتتمثل إحدى أبرز القضايا الأمنية في توصيل موظفي وزارة الدفاع الأميركية أجهزتهم الخاصة بالخوادم الصينية، واستخدام التطبيق لمدة يومين على الأقل.
وبدأت وزارة الدفاع في اتخاذ إجراءات لمراقبة استخدام التطبيق داخل الشبكات التابعة لها، حيث وضعت قيودًا على الوصول إليه داخل بعض الأنظمة، في حين لا يزال بعض الموظفين قادرين على التفاعل مع التطبيق.
وتعد هذه المخاوف جزءًا من الجهود الأمنية التي تقوم بها الحكومة الأميركية لمكافحة تهديدات البيانات التي قد تنجم عن التطبيقات المملوكة لشركات صينية، خاصة في ظل الحرب التكنولوجية الدائرة بين القوى الكبرى.
مزايا تطبيق “ديب سيك” التي ساعدت في انتشاره السريع
من الجدير بالذكر أن “ديب سيك” ليس مجرد تطبيق تقليدي. فهو يعد من بين أقوى روبوتات المحادثة الذكية التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، شبيهًا لتطبيق “تشات جي بي تي” من “OpenAI” أو “جيمني” من “غوغل”. لكن ما يميز “ديب سيك” هو تقديمه لعدة ميزات فريدة أبرزها أنه مجاني بالكامل ولا يتطلب أي اشتراك شهري للاستفادة من إمكانياته المتقدمة. وقد ساعدت هذه المزايا التطبيق في تحقيق شهرة واسعة في فترة زمنية قصيرة، خاصة بين المستخدمين الذين يبحثون عن حلول متطورة دون تحمل أعباء مالية إضافية.
ورغم التقدير الكبير الذي لاقاه التطبيق في الأوساط التقنية، أثار ارتباطه الوثيق بالقوانين الصينية مخاوف عدة لدى المسؤولين الأميركيين، الذين أصبحوا أكثر حذرًا في التعامل مع مثل هذه التقنيات القادمة من شركات صينية. فأحد أكبر القلق يتمثل في إمكانية تعرض البيانات الحساسة للسرقة أو الاختراق، مما يهدد الأمن القومي الأميركي.
تداعيات “ديب سيك” على المنافسة في الذكاء الاصطناعي
لم تقتصر تداعيات استخدام “ديب سيك” على الجوانب الأمنية فقط، بل امتدت لتشعل منافسة شرسة في قطاع الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة. فنجاح التطبيق في السوق الأميركية فتح المجال للتساؤل حول مستقبل نماذج الأعمال الخاصة بشركات الذكاء الاصطناعي الكبرى في أميركا، مثل “إنفيديا” و”مايكروسوفت”، في ظل قدرة الشركات الصينية على تقديم تقنيات مماثلة بأقل تكلفة. وهذه المعادلة قد تهدد الهيمنة الأميركية في هذا المجال، خاصة إذا استطاعت الصين تقديم حلول مبتكرة بتكلفة أقل، مما يهدد استمرارية بعض الشركات الأميركية في المنافسة.
ومع استمرار هذا التحدي الأمني والاقتصادي، من المحتمل أن تتخذ الحكومة الأميركية مزيدًا من التدابير ضد استخدام التقنيات الصينية التي تشكل تهديدًا للأمن القومي. وفي الوقت نفسه، يظل السؤال قائمًا حول مدى قدرة الشركات الكبرى في الولايات المتحدة على مجاراة التطور السريع للتقنيات الصينية.
التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والسياسات الأمنية
تعد مسألة الذكاء الاصطناعي والبيانات الخاصة من أبرز القضايا التي تواجه حكومات العالم اليوم. فالتكنولوجيا الحديثة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية، والذكاء الاصطناعي هو محرك رئيسي لهذا التحول. لكن مع تطور هذه التقنيات، أصبح من الضروري وضع قوانين وسياسات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يحمي الأمن الوطني وحياة الأفراد.
التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل “ديب سيك”، هي مجرد بداية لعصر جديد من التقنيات التي تحتاج إلى تنظيم ورقابة. وإذا لم تتخذ الحكومات تدابير حماية صارمة، فقد تصبح البيانات الشخصية لمستخدمي هذه التطبيقات عرضة للتهديدات التي قد تتسبب في عواقب وخيمة على الأمن السيبراني والاقتصاد العالمي.
يعد تطبيق “ديب سيك” مثالًا حيًا على التحديات التي تواجهها الحكومات في سبيل تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي وضمان أمن البيانات. وبالرغم من مزاياه العديدة التي جعلته يحظى بشعبية واسعة، إلا أن المخاوف الأمنية المتعلقة بتخزين البيانات في الصين تجعله موضوعًا مثيرًا للجدل في الولايات المتحدة. ومع استمرار منافسة الصين والولايات المتحدة في هذا المجال، من المرجح أن نشهد المزيد من التوترات والقرارات الأمنية التي ستحدد مستقبل استخدام هذه التقنيات في السنوات القادمة.