38
الاستثمار الأجنبي يعود بقوة في أدوات الدين الحكومية وطلبات تتجاوز 400 مليار جنيه . في بداية العام 2025، شهدت سوق الدين المحلي المصري حالة من النشاط الاستثماري غير المسبوق، حيث زاد إقبال المستثمرين الأجانب والمحليين على أذون وسندات الخزانة المصرية، وهو ما يعتبر مؤشرًا إيجابيًا على تعافي السوق وعودتها إلى جذب الاستثمارات.
وكان يوم الخميس الماضي شاهداً على هذا الإقبال الاستثنائي خلال العطاءات التي طرحتها وزارة المالية المصرية، حيث بلغ إجمالي العطاءات لأجل سنة وستة أشهر قيمة 80 مليار جنيه، وفقًا لما أوردته قناة “العربية Business“. هذا التزايد الكبير في الطلب يشير إلى قوة الثقة في سوق الدين المصري، خاصة بعد سنوات من التقلبات الاقتصادية التي مرت بها البلاد.
تزايد الإقبال على أذون وسندات الخزانة المصرية يعكس أيضًا تأثر السوق المحلي بالقرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي المصري في الفترات السابقة. فالإقبال الكبير الذي شهده سوق الدين يشبه ما حدث في مارس 2024، بعد قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس، وكذلك خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي.
آنذاك، كان تأثير هذه القرارات كبيرًا على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حيث أبدت العديد من المؤسسات المالية الدولية توصيات للاستثمار في الأدوات ذات الآجال الطويلة، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على سوق الدين المحلي.
لكن الوضع خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2024 كان مختلفًا إلى حد ما، حيث شهدت الأسواق المحلية خروجًا ملحوظًا للاستثمارات الأجنبية من أدوات الدين المصرية. هذا التوجه العكسي قد يكون ناجمًا عن عدة عوامل، أبرزها المخاوف الجيوسياسية في المنطقة، والتي أثرت على العديد من المستثمرين وجعلتهم يعيدون تقييم مخاطر استثماراتهم في الأسواق الناشئة.
من جانب آخر، يُمكن تفسير التخارج الكبير لبعض المستثمرين الأجانب عن طريق عمليات جني الأرباح التي جرت قبل نهاية العام، حيث سعى بعض هؤلاء المستثمرين إلى إعادة بناء مراكزهم المالية الجديدة مع بداية عام 2025.
ومع ذلك، عاد الإقبال بقوة خلال بداية العام الجديد، حيث شهدت العطاءات التي تم طرحها يوم الخميس الماضي إقبالًا قويًا للغاية من قبل المستثمرين، حيث وصلت العروض على العطاءين إلى 400 مليار جنيه. هذا الإقبال الهائل منح وزارة المالية الفرصة للاستفادة منه في خفض الفائدة بشكل ملحوظ، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على أسعار العوائد على السندات وأذون الخزانة المصرية.
على سبيل المثال، انخفض العائد على أجل 6 أشهر من 29.8% في العطاء السابق إلى 27.3% في العطاء الأخير، أي بتخفيض بلغ 2.5% دفعة واحدة. كما انخفض العائد على أجل سنة إلى 26% مقارنة بـ 26.3% في العطاء الذي سبق، وهو ما يعكس تزايد الثقة في الأوضاع الاقتصادية في البلاد على الرغم من خفض العوائد.
هذه التطورات الإيجابية تشير إلى أن الاقتصاد المصري بدأ يشهد مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو، مما يعزز قدرة البلاد على جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. وقد انعكست هذه التحولات على سوق الدين المحلي بوضوح، حيث تراجعت العوائد على أدوات الدين قصيرة الأجل مثل أذون الخزانة بآجال 6 أشهر بنحو 4%، بينما شهدت العوائد على أذون الخزانة بآجال 3 أشهر تراجعًا بنحو 2.9% في الأسابيع الأخيرة.
يعتبر هذا الإقبال الكبير على أدوات الدين المصرية من قبل المؤسسات المحلية والأجنبية بداية لموجة جديدة من الاستثمارات التي ستكون لها تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المصري بشكل عام. ويُتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في المستقبل، مع استمرار وزارة المالية في طرح العطاءات التي تحفز المستثمرين على المشاركة، إلى جانب الإجراءات المالية والنقدية التي يتخذها البنك المركزي المصري لتوفير بيئة اقتصادية أكثر جذبًا للمستثمرين.
إن زيادة الإقبال على أذون وسندات الخزانة المصرية تُعدُّ إشارة قوية على الثقة المتزايدة من قبل المستثمرين في الاقتصاد المصري، وخصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة.
على الرغم من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي قد تواجهها الأسواق، إلا أن سوق الدين المصري لا يزال يحظى بقدرة على جذب الاستثمارات بفضل الإجراءات المالية المدروسة والسياسات الاقتصادية التي تديرها الحكومة المصرية، مما يعزز الأمل في تحقيق استدامة في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية خلال الأعوام المقبلة.