الأسيرات من حماس في مشهد يلفت أنظار وسائل الإعلام العالمية . في تصريحات حديثة، أوضح العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن تسليم حركة حماس للأسيرات الإسرائيليات في غزة، والذي جرى صباح اليوم، قد لا يسهم بشكل كبير في تعزيز موقف الحركة أمام المجتمع الدولي أو حتى في مواجهة إسرائيل.
حيث أشار عكاشة إلى أن هذا الحدث قد يبدو محوريًا من الناحية الإعلامية في بعض الأوساط، إلا أن تأثيره على المواقف السياسية والديبلوماسية يبقى محدودًا. وقد لاقت مشاهد هذا الحدث اهتمامًا واسعًا من وسائل الإعلام العالمية، مما أثار العديد من التساؤلات حول مغزى هذا المشهد وتداعياته على الساحة السياسية والإعلامية.
في مداخلة هاتفية مع الإعلامية كريمة عوض في برنامج “حديث القاهرة” عبر قناة “القاهرة والناس“، تناول العميد خالد عكاشة تفاصيل هذا الحدث، مستعرضًا مجريات عملية تسليم الأسيرات الإسرائيليات من قبل حركة حماس.
وأوضح عكاشة أن حركة حماس تعمدت عرض هذا المشهد الاحتفالي الذي تضمن تسليم الأسيرات في ساحة عامة، في خطوة تُعتبر جزءًا من استراتيجية إعلامية مدروسة تهدف من خلالها إلى نقل رسائل مدروسة داخليًا وخارجيًا. ولفت إلى أن حماس تهدف من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز مكانتها داخل المجتمع الفلسطيني، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع.
وأفاد عكاشة أن هذا النوع من التصرفات ليس مجرد خطوة إنسانية أو عملية ضمن إطار تبادل الأسرى، بل هو جزء من خطة إعلامية مركبة تهدف إلى خلق صورة إعلامية محددة تعزز من صورة الحركة في الأوساط الفلسطينية. فبجانب إظهار قدرتها على تنظيم مثل هذا الحدث، سعت حماس إلى إرسال رسالة بقدرتها على الحفاظ على صحة كوادرها وحمايتهم من خلال استعراض قدرتها على الحفاظ على أسراها، وهو ما يعزز ثقة الفلسطينيين في قدرة حركتهم على مواجهة التحديات.
وأضاف عكاشة أن من بين أبرز لقطات هذا المشهد كان ظهور الأسلحة الإسرائيلية بحوزة حماس، وهو ما لفت انتباه وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل خاص. وقد أثار ظهور هذه الأسلحة تساؤلات عدة حول فاعلية نتائج الحرب في غزة، ولماذا لم تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها المعلنة. إذ يمكن فهم هذا الاهتمام الإسرائيلي باعتباره جزءًا من رغبة وسائل الإعلام الإسرائيلية في تحليل تطورات الحرب، ومحاولة فهم الأبعاد السياسية التي قد يتسبب فيها هذا العرض الإعلامي.
وأشاد عكاشة بتفكير حماس الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن الحركة تواصل استخدام هذه الأحداث لإرسال رسائل متعمدة إلى الخارج، خاصة إلى الساحة الدولية والإعلامية، في محاولة منها لتغيير صورة الحرب في غزة، بل ولإظهار قوتها على الرغم من الظروف التي يمر بها القطاع.
وفي هذا السياق، أكد عكاشة أن تسليم الأسيرات لم يكن مجرد حدث إنساني، بل كان بمثابة حدث إعلامي متعمد، يتجاوز الأبعاد العسكرية ليأخذ بعدًا سياسيًا. هذه الرسائل تتعدى حدود الداخل الفلسطيني لتصل إلى الساحة الإسرائيلية والمجتمع الدولي في محاولة لتوضيح أن حماس، رغم التحديات، لا تزال تمتلك القدرة على التأثير في مجريات الأحداث.
وحول ما إذا كان هذا المشهد سيؤثر في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية أو على موقف الدول المعنية بالشأن الفلسطيني، أكد عكاشة أن هذا المشهد قد لا يكون له تأثير كبير في هذا السياق. فالمواقف الدولية تجاه حماس والقضية الفلسطينية تتأثر بعوامل أكبر من مجرد أحداث إعلامية. ورغم أن تسليم الأسيرات قد يكون له تأثير على مستوى الصورة الإعلامية، إلا أن مواقف القوى الكبرى ودول العالم لا تُحدد من خلال مشهد واحد أو خطوة إعلامية مفردة.
وفي السياق الداخلي، أضاف عكاشة أن تسليم الأسيرات قد يعزز من مكانة حماس بين الفلسطينيين، الذين يتطلعون إلى إشارات قوية تعكس قدرة حركتهم على التأثير في مجريات الحرب وتقديم إشارات أمل في المقاومة. وفي وقت يعاني فيه سكان غزة من ظروف صعبة، فإن إظهار حماس قدرتها على تنظيم مثل هذه الأحداث قد يعزز ثقة الفلسطينيين في حركتهم ويمنحهم بعض الأمل في استمرار المقاومة والضغط على الاحتلال الإسرائيلي.
كما أكد عكاشة أن اهتمام الإعلام الإسرائيلي بهذا الحدث يعكس قلقًا مستمرًا حول تطورات الحرب في غزة. فالحرب لا تقتصر على المواجهات العسكرية فقط، بل تشمل أيضًا حربًا إعلامية ونفسية. وأضاف أن هذه الحرب الإعلامية تعتمد على تشكيل الصور والروايات التي قد تكون موجهة لتحقيق أهداف استراتيجية محددة. وبالتالي، فإن هذه المشاهد التي تظهر على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي جزء من صراع طويل الأمد بين الأطراف المختلفة حول كيفية نقل الصورة الصحيحة والمناسبة للواقع في غزة.
ومن جانب آخر، شدد عكاشة على أن هذا المشهد الإعلامي لا يعكس الواقع العسكري بالكامل. فبالرغم من أن عرض الأسيرات بحوزة حماس قد يراه البعض كنوع من “الانتصار الرمزي”، إلا أن الوضع الفعلي في غزة يختلف عن الصور التي يتم تصديرها عبر الإعلام. ففي الواقع، لا تزال حماس تواجه تحديات كبيرة على الأرض، ومع ذلك فإنها تسعى إلى استخدام هذه الأنماط الإعلامية لخلق صورة من القوة والمقاومة في أذهان الفلسطينيين والمجتمع الدولي على حد سواء.
كما أكد عكاشة أن تسليم الأسيرات الإسرائيليات من قبل حماس قد لا يكون له تأثير كبير في تغيير نتائج الحرب في غزة أو في إعادة تشكيل المواقف السياسية الدولية. لكنه، في الوقت ذاته، يُعد حدثًا إعلاميًا لافتًا يُظهر مدى براعة حماس في استخدام أدوات الإعلام لتحقيق أهداف سياسية ونفسية واضحة. في النهاية، يبقى هذا الحدث مثالًا على كيفية استخدام الأطراف المتنازعة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي استراتيجيات إعلامية معقدة للتأثير في الرأي العام الدولي والمحلي.