الأسواق الآسيوية تتعامل بحذر مع تصعيد ترامب التجاري . في مشهد يعكس توازنًا دقيقًا بين الحذر والتوقع، واصلت الأسواق الآسيوية تداولها بهدوء نسبي عقب التصريحات النارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات من الاتحاد الأوروبي. هذا التفاعل الهادئ، رغم ما تحمله التصريحات من تهديد مباشر، يشير إلى أن المستثمرين في آسيا ما زالوا يترقبون بحذر دون الانجراف نحو ردود فعل مفرطة.
وفي تقريرها من داخل الأسواق العالمية، أكدت كارينا كامل، مراسلة قناة العربية، أن رد الفعل الآسيوي كان باهتًا، وأن مؤشرات الأسهم، خاصة في اليابان، لم تظهر تحركًا حادًا بعد تصريحات ترامب، حيث تداولت البورصات بشكل أفقي. وعلى الرغم من التوترات السياسية، لم يكن هناك انحدار كبير في المؤشرات، باستثناء تراجع طفيف في مؤشر MSCI الذي يقيس أداء الأسواق الآسيوية خارج اليابان.
توقيت التصريحات يخفف من أثرها المباشر
وأوضحت كارينا كامل أن أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم تأثر الأسواق بشكل كبير هو توقيت التصريحات، حيث صدرت في عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما أعطى المستثمرين بعض الوقت للتريث والتفكير قبل اتخاذ قراراتهم في بداية الأسبوع الجديد. وأضافت: “على الرغم من تصعيد ترامب لهجته، إلا أن الأسواق تفاعلت بشكل هادئ حتى الآن، ويبدو أن هناك حالة من الترقب الحذر”.
يُشار إلى أن التهديدات الأمريكية تأتي في سياق مستمر من التصعيدات التجارية التي اتخذت طابعًا عالميًا منذ تولي ترامب الحكم، إذ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها شركاء اقتصاديين رئيسيين مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي يبدأ خطوات الرد: مواجهة بالمثل أم تفاوض؟
في المقابل، لم يتأخر رد الاتحاد الأوروبي كثيرًا، حيث كشف وزير الخارجية الإيطالي عن أن الاتحاد بدأ إعداد قائمة بالمنتجات الأمريكية التي قد تخضع لتعريفات جمركية إضافية، تقدر قيمتها بنحو 21 مليار يورو، في حال فشل المفاوضات التجارية الجارية. وتأتي هذه الاستعدادات كرد فعل مباشر على تهديد ترامب بفرض رسوم إضافية بنسبة 30% على واردات أوروبية بدءًا من 1 أغسطس 2025.
ويبدو أن أوروبا تسعى لتطبيق سياسة مزدوجة، تجمع بين الرد الاستباقي من جهة، والاستمرار في مسار التفاوض من جهة أخرى. فقد صرحت المفوضية الأوروبية بأنها تمدد تعليق الإجراءات المضادة حتى نهاية المهلة المحددة، ما يعني أن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق تجاري قبل انفجار التصعيد.
وتعكس هذه السياسة رغبة واضحة من الاتحاد الأوروبي في تفادي سيناريو “الحرب التجارية المفتوحة” التي ستؤثر على الجانبين، خاصة في ظل هشاشة الاقتصاد العالمي وتباطؤ معدلات النمو في عدة دول صناعية كبرى.
الأنظار تتجه نحو الأسواق الأمريكية ونتائج الشركات الكبرى
وفي سياق موازٍ، أوضحت كارينا كامل أن الأسواق الأمريكية تستعد لأسبوع حافل من الإفصاحات المالية، حيث تبدأ الشركات العملاقة في القطاع المصرفي بالكشف عن نتائجها الفصلية. وتشمل هذه الشركات كل من جي بي مورجان، جولدمان ساكس، مورجان ستانلي، سيتي جروب، بنك أوف أمريكا، وغيرها من الأسماء البارزة في وول ستريت.
وأشارت إلى أن التركيز هذا الأسبوع سيكون على ما إذا كانت الشركات استطاعت الحفاظ على نمو إيراداتها وسط التوترات التجارية، خاصة أن التحليلات تتوقع نموًا في الإيرادات بنسبة 5.8% مقارنة بالعام الماضي، وهو معدل أقل من التوقعات السابقة التي أشارت إلى نمو بنسبة 10.2%.
هذا التراجع في التوقعات يعكس حالة عدم اليقين التي تخيم على البيئة الاقتصادية، حيث تتأثر الشركات الكبرى بقرارات السياسة التجارية، مما يجعل من نتائج هذا الموسم مؤشرًا حقيقيًا على مدى متانة الاقتصاد الأمريكي في ظل الضغوط العالمية.
الاستعداد للأسوأ: الشركات تتخذ تدابير احترازية
وفي معرض حديثها عن تأثيرات التصعيد التجاري، أبرزت كارينا كامل أن العديد من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة بدأت اتخاذ خطوات استباقية تحسبًا لفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات. وأشارت إلى أن شركات مثل وول مارت، هوم ديبو، وتارجت بدأت في تخزين كميات كبيرة من السلع تفاديًا لأي ارتفاع محتمل في التكاليف.
هذه الإجراءات تعكس إدراكًا واضحًا من الشركات بأن الحرب التجارية ليست مجرد تصريحات سياسية، بل تمتد آثارها إلى الواقع التشغيلي، وسلاسل التوريد، والأسعار النهائية التي يتحملها المستهلك.
وأضافت كامل: “المستثمرون يتساءلون الآن عن التأثيرات المتوقعة لهذه الرسوم على الأرباح المستقبلية للشركات، ومدى قدرتها على امتصاص الصدمات دون اللجوء إلى تقليص الوظائف أو رفع الأسعار”. ويطرح هذا الواقع تحديات إضافية، خاصة في ظل احتمالية أن تؤدي زيادة التكاليف إلى ضعف في الإنفاق الاستهلاكي، ما يعرض معدلات النمو الاقتصادي لمزيد من الضغوط.
سيناريوهات قادمة: تصعيد أم تهدئة؟
في ظل هذا المشهد المركب، تبقى الأسواق العالمية، وخاصة الآسيوية، في وضع مراقبة لما قد يسفر عنه التوتر بين واشنطن وبروكسل. ويُرجح أن يكون المسار القادم مرهونًا بما ستؤول إليه المفاوضات الجارية خلف الكواليس، وما إذا كان الطرفان سيصلان إلى تفاهم مشترك يجنبهما الدخول في جولة جديدة من النزاع التجاري.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل تأثير التصعيد على ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية، التي عادة ما تتجنب المخاطر وتلجأ إلى التحوط خلال فترات الغموض الاقتصادي.
رغم اللهجة التصعيدية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حافظت الأسواق الآسيوية على نغمة هادئة وواقعية في تعاملها مع الأحداث. ومع ذلك، فإن استمرار التهديدات، واتساع رقعة الخلافات التجارية، قد يؤديان إلى تغير المزاج العام للأسواق، خاصة إذا ما ترافق ذلك مع بيانات سلبية من موسم إفصاحات الشركات الأمريكية.
ويبقى التساؤل قائمًا: هل سيستمر الهدوء الآسيوي في وجه العاصفة الغربية؟ أم أن الأسواق ستشهد اضطرابات عنيفة حال فشل المفاوضات وتطبيق الرسوم رسميًا؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.