الأسماك والجمبري على طاولة المستهلك أسعار اليوم الأحد 18 مايو 2025 . تُعَدّ سوق العبور للجملة – إلى جانب الحلقات الرئيسية في الإسكندرية ودمياط ومدن القناة – مرآةً شبه فورية لتحرّكات قطاع المأكولات البحرية في مصر.
ومع افتتاح جلسة التداول الصباحية اليوم الأحد 18 مايو 2025، أظهر شريط الأسعار استقراراً عاماً في معظم الأصناف، سواء الأسماك النهرية والشاطئية أو القشريات، في ظل توافر كميات مُرضية وانحسار موجة الطقس المتقلب التي ضربت السواحل الأسبوع الماضي.
يقدّم هذا التقرير الممتد (نحو 1000 كلمة) رصداً تفصيلياً للأسعار، مع خلفية إنتاجية وسلسلة قيمة توضح لماذا ظلت الأسعار عند مستوياتها الحالية، وما الذي قد يطرأ عليها خلال الأسابيع المقبلة.
أولاً: البلطي – «الذهب الأبيض» للمائدة المصرية
يستحوذ البلطي على نحو 55 % من استهلاك الأسماك محلياً وفق بيانات جهاز الإحصاء، نظراً لسعره المعتدل وقدرته على تحمّل ظروف التربية في المياه شبه المالحة. اليوم حافظ البلطي الكبير (وزن يزيد على 600 غرام للسمكة) على نطاق 90–94 جنيهاً للكيلوغرام، بينما تمركز البلطي الوسط عند 86–88 جنيهاً/كجم. هذا الثبات يُعزى إلى:
انتظام توريد المزارع في كفر الشيخ والبحيرة والفيوم بعد انتهاء موجة البرودة المفاجئة.
انخفاض تكاليف الأعلاف نسبياً عقب تراجع أسعار الذرة وفول الصويا في بورصات السلع.
استقرار تكلفة النقل مع ثبات أسعار الوقود خلال الأسبوعين الماضيين.
البلطي الأسواني – الذي يُصاد مباشرة من بحيرة ناصر – سجّل نطاقاً واسعاً 30–70 جنيهاً تبعاً لدرجة الفرز والحجم. ويرتبط هذا التباين بالسلاسل اللوجستية الممتدة من أسوان إلى القاهرة (ما يقارب الألف كيلومتر)، حيث ترتفع الفاقد والتكاليف في شهور الحرارة.
أما الفيليه البلطي المجمد فبقي بين 50 و250 جنيهاً، ويختلف السعر باختلاف نسب الهدر (Glazing) والعلامة التجارية وبلد المنشأ؛ إذ يُستورد جزء منه شبه مصنَّع من فيتنام أو الصين ويُعبَّأ محلياً.
ثانياً: أصناف البحر المفتوح – من السِّبيط إلى الوقار
السِّبيط/الكاليماري: نطاق اليوم 220–360 جنيهاً. ويحدّد السعر حجم الرأس وطول الأذرع ونسبة التجميد. الصيد الحيّ بالجرّار (Trawl) في البحر الأحمر جعل المعروض كافياً، لكنه يظل مرتفعاً نسبياً لأن الطلب الفندقي ينتعش مع بداية موسم المصايف.
مكرونة سويسي: 80–140 جنيهاً/كجم. الانخفاض في الحد الأدنى مرتبط بزيادة حصيلة المراكب العاملة من ميناء الأتكة بالسويس، في حين يصل الحد الأقصى للأحجام «السويسي السوبر» المشهورة بقلة الشوك.
الكابوريا: 40–180 جنيهاً بحسب النوع (ذكور/إناث مبايض) والحجم. الكابوريا شهدت رواجا متزايدا مع حملات ترويج «البروتين منخفض الدهون»، ما يدفع المطاعم إلى شراء الأحجام الكبيرة بأسعار مرتفعة.
القاروص (اللوت) والوقار: كلاهما بين 150–350 جنيهاً، إذ تتقارب التكاليف لكون الصنفين يستزرعان في أقفاص بحرية ببحيرة البردويل وساحل مطروح. الإقبال على القاروص يرتفع مع السياحة الأوروبية التي تفضل لحمه الأبيض الخالي من الزيوت الثقيلة.
الدنيس: 90–290 جنيهاً. الأصناف الأقل ثمناً تأتي من مفرخات محلية عمر 12 شهراً، بينما يصل الحد الأعلى للاستيراد التركي أو اليوناني «إيس تشيل» الذي يُسوَّق كمنتج مميز.
البوري: بلغ الكبير 120–160 جنيهاً، والصغير 90–110 جنيهاً. ويتأثر البوري بتذبذب ملوحة البحيرات الشمالية؛ فكلما ارتفعت الملوحة تحسّن الطعم وزاد السعر.
ثالثاً: الجمبري – ملك القشريات بأسعاره الطبقية
يظل الجمبري السلعة الأكثر حساسية بين المأكولات البحرية بسبب اعتماده على الاستيراد الجزئي وتغير الأوزان (Count). وأرقام اليوم جاءت كالآتي:
نوع الجمبري الوزن التقريبي للقطعة السعر/كجم (جنيه)
جامبو (U10 – U15) 60–100 غرام 580 – 700
كبير (U20 – U30) 35–60 غرام 510 – 570
متوسط (30/40 – 40/50) 20–35 غرام 380 – 500
صغير (50/60 فأكثر) أقل من 20 غرام 170 – 370
جامد/مجمَّد – 175 – 475
ملاحظات تحليلية:
الفجوة الكبيرة بين الحدين الأدنى والأقصى تعكس مصدر الصنف (بحري محلي، مزارع بحرية شبه كثيفة، أو مستورد هندي/فيتنامي).
الدولار الجمركي المستقر عند 49 جنيهاً ساعد في منع قفزات مفاجئة في المستورد، برغم ارتفاع الشحن عالميًا.
موسم إغلاق خليج السويس للصيد (من أبريل حتى نهاية يونيو لحماية المخزون) يقلل المعروض الطبيعي ويعزز أسعار الجامبو.
رابعاً: لماذا الاستقرار الآن… وماذا بعد؟
رغم أن الأسعار تبدو «ساكنة» اليوم، فإن السوق يخضع لمعادلة متحركة تستند إلى خمسة محركات رئيسية:
التقلب المناخي: أيّ ارتفاع غير متوقع في درجات الحرارة أو عواصف رملية قد يرفع فاقد النقل الحيّ، فينعكس سريعاً على الأسعار.
أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية: البلطي والبوري والدنيس المستزرَع تعتمد ربحيتها على توفر أعلاف بروتينية منخفضة التكلفة. تذبذب الحبوب سيعيد رسم خريطة الأسعار.
سعر الصرف والرسوم الجمركية: الجمبري والسِّبيط المستوردان يُسعّران بالدولار. إذ تحرّك الجنيه أمام الدولار – ولو هامشياً – سيتردد صداه في الحلقة.
موسم السياحة: مع بدء الإجازات المدرسية يزداد الطلب الفندقي في الساحل الشمالي والبحر الأحمر، ما قد يرفع شرائح الجمبري والقاروص.
العرض الحكومي: طرح وزارة التموين عبر المجمعات الاستهلاكية لأسماك بأسعار مدعومة يمكن أن يكبح الأسعار في السوق الحرة جزئياً.
خامساً: توصيات للمستهلك والمطعم
التوقيت الذهبي للشراء المنزلي هو ما بين العاشرة صباحاً والواحدة ظهراً؛ إذ يُضخ المعروض طازجاً وتبدأ المنافسة بين تُجّار التجزئة.
البلطي الوسط اليوم الأكثر جدوى سعرية مقارنة بغيره من البروتينات (الدجاج 105 جنيه/كجم، لحم بقري 320 جنيهاً).
المطاعم التي تُركّز على وجبات جمبري صغيرة الحجم تستطيع تعظيم هامش الربح حالياً، لأن الفارق السعري بين المتوسط والصغير تضاعف إلى 200 جنيه تقريباً.
التجميد المنزلي: الفيليه البلطي المجمد عند الحد الأدنى (50 جنيهاً) فرصة للتخزين مدة تصل إلى ستة أشهر عند –18 °م دون فقدان طعم ملحوظ.
يختصر استقرار اليوم معاني توازن العرض والطلب وسط مناخ اقتصادي ما زال متحفظاً. لكن الطبيعة الموسمية للبحر وارتباط السوق المحلي بالعوامل العالمية يعني أن هذا الهدوء قد لا يطول. إبقاء عينٍ على بيانات هيئة الثروة السمكية حول مخزون البحيرات، وتوجهات الدولار الجمركي، سيمنح المستهلك والمستثمر مؤشراً أوضح لما قد تحمله الأسابيع المقبلة.
في النهاية تظل المأكولات البحرية، بما فيها الأسماك النيلية والبحرية والجمبري، خياراً غذائياً استراتيجياً للمائدة المصرية، ومع تحسُّن تقنيات الاستزراع واللوجستيات المبردة، يُرجَّح أن ينمو نصيب الفرد من الاستهلاك إلى أكثر من 23 كيلوغراماً سنوياً بحلول 2030، مقارنة بـ 18 كيلوغراماً الآن. أما الأسعار، فستظل مرآة مرنة لهذه الرحلة بين الشبكة والصحن.
