الأزمات المستمرة وارتباطها بزيادة نفوذ الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط وأوروبا . في عام 2024، شهدت الجماعات المتطرفة من مختلف الاتجاهات تصاعدًا كبيرًا في نشاطاتها، سواء كانت إسلامية أو يمينية متطرفة، حيث كانت أوروبا بشكل خاص واحدة من أكبر الساحات التي شهدت هذه الأنشطة الإرهابية المتزايدة.
وبحسب ما أشار إليه محمد يسري، الباحث المتخصص في شئون حركات الإرهاب، فإن هذا التصعيد لم يكن مفاجئًا، بل جاء كنتيجة طبيعية للأزمات المستمرة في مناطق النزاع، والتي شهدت تحركات إرهابية على مستوى فردي وأيضًا من خلال تنظيمات متطرفة.
في هذا السياق، أضاف “يسري” في تصريحاته لبرنامج “الضفة الأخرى” الذي يُذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية“، أن بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والنمسا وبلجيكا، قد شهدت أكبر نسب من العمليات الإرهابية، وكان من أبرز تلك الهجمات الهجوم الذي وقع على سوق عيد الميلاد في ألمانيا، مما جعل هذه الدول في مرمى الهجمات الإرهابية المتزايدة.
ولفت “يسري” إلى أن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية لم تكن كافية لاحتواء هذه الظاهرة المتصاعدة. حيث أن التطرف اليميني الذي شهد تصاعدًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، كان يأتي جنبًا إلى جنب مع التطرف الإسلامي، ما جعل التهديدات الأمنية التي تواجهها أوروبا مزدوجة ومعقدة.
ولم تكن الدول الأوروبية في استعداد كامل لمواجهة هذا الخطر، خاصةً أن التطرف اليميني في أوروبا لم يعد مجرد ردود أفعال فردية بل أصبح جزءًا من حركة أوسع وأكثر تنظيمًا تؤثر على استقرار المنطقة.
وبالتالي، فإن أوروبا كانت تعاني من تهديدين متوازيين، وهو ما جعل التعامل مع هذه الظاهرة أكثر صعوبة، إذ لم تكن الأبعاد الأمنية وحدها هي التي تتأثر، بل كان للأبعاد الاجتماعية والسياسية أيضًا دور كبير في تعزيز هذه الظاهرة.
وأضاف يسري أن منطقة الشرق الأوسط تمثل نقطة تشابك سياسي واقتصادي وثقافي هامة مع أوروبا، مما يجعل تأثير الأزمات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط يمتد إلى أوروبا، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات المتطرفة.
وأكد أن استمرار الأزمات في بعض الدول مثل فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان، يسهم في تعزيز القوى المتطرفة التي تجد في هذه الظروف بيئة خصبة للتحريض والتجنيد.
ومن المؤكد أن هذه الأزمات لا تؤثر على الشرق الأوسط فحسب، بل تمتد آثارها إلى أوروبا، مما يساهم في تعزيز الأنشطة الإرهابية ويزيد من فرص تواجد هذه الجماعات في القارة الأوروبية.
وتوقع محمد يسري في تصريحاته أن يشهد عام 2025 تطورات خطيرة على مستوى النشاط الإرهابي، حيث يمكن أن تظهر بؤر إرهابية جديدة في أوروبا نتيجة لتصاعد الغضب تجاه السياسات الغربية المتعلقة بالشرق الأوسط.
ووفقًا لما ذكره، فإن من الممكن أن يترتب على هذه السياسات تأثيرات سلبية على الأمن الأوروبي، حيث قد يؤدي استمرار التوترات السياسية في الشرق الأوسط إلى خلق بيئة مثالية لتفشي المزيد من التطرف والتطرف المضاد في أوروبا.
وقد تتمثل هذه التطورات في توسيع نطاق الهجمات الإرهابية لتشمل أهدافًا جديدة، سواء كانت مدنية أو أمنية، حيث يعتقد أن هذه العمليات قد تستهدف بشكل أساسي البنية التحتية الأوروبية والتجمعات العامة بهدف زعزعة استقرار هذه الدول.
وبناءً على هذا التحليل، فإن تحديات الأمن في أوروبا والشرق الأوسط أصبحت مترابطة بشكل وثيق، ويعكس ذلك صورة معقدة لمكافحة الإرهاب الذي بات ظاهرة عابرة للحدود. إذ أشار يسري إلى أن الحلول المتاحة لمواجهة هذه الأزمة يجب أن تكون شاملة، تشمل التعاون بين الحكومات الأوروبية والدول العربية لضمان وقف تمدد هذه الجماعات المتطرفة. وينبغي أن تكون هناك استراتيجيات سياسية وأمنية تركز على معالجة الأسباب الجذرية لهذا التطرف، بالإضافة إلى تجفيف منابع التمويل التي تدعم هذه الجماعات.
على الرغم من أن الدول الأوروبية قد اتخذت العديد من الإجراءات للحد من انتشار الجماعات المتطرفة على أراضيها، إلا أن هذه الإجراءات لا تزال غير كافية في ظل التحديات المستمرة التي تطرأ نتيجة للتغيرات السياسية في المنطقة. وبالتالي، تحتاج الدول الأوروبية إلى تطوير استراتيجيات أمنية وسياسية فعالة لاحتواء تأثير الأزمات في الشرق الأوسط على أمنها الداخلي.
في الختام، أشار محمد يسري إلى أن المستقبل القريب قد يشهد ظهور تهديدات جديدة نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية، حيث أن تصاعد وتيرة التطرف في الشرق الأوسط قد يمتد تأثيره ليطال القارة الأوروبية بشكل أكبر. وبالتالي، فإن جهود محاربة هذه الظاهرة يجب أن تركز على التعاون بين الدول الأوروبية والدول المعنية في الشرق الأوسط لضمان استقرار أكبر وتقديم حلول فعالة لهذه الظاهرة المعقدة.