الأبراج والتنجيم ما بين الخرافات وتأثيرها السلبي على العقيدة . مع بداية كل عام جديد، تزداد الأحاديث حول التوقعات والتنبؤات الخاصة بالأبراج وحظوظ الأشخاص في المستقبل، حيث يكثر الحديث بين الناس عن توقعات الأحداث التي قد تحدث في السنة المقبلة، ويحرص الكثيرون على متابعة ما يقوله المنجمون والعرافون بشأن مصيرهم وأحوالهم المستقبلية.
لكن هذه الظاهرة، التي قد تبدو بريئة بالنسبة للبعض، تحمل في طياتها خطورة كبيرة على العقيدة الإسلامية وتؤثر في فهم الإنسان للغيب، وهو ما يبرز بشكل واضح في تصريح الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، الذي أكد أن التنبؤ بالأبراج والتنجيم يعدّ من الخرافات التي لا تتوافق مع تعاليم الإسلام، ويؤدي إلى خلل في الإيمان.
في حديثه، بيّن عمارة أنه مع نهاية كل عام وبداية عام جديد، تزداد ظاهرة التنبؤ بالحظوظ والأحداث المستقبلية، حيث يثير البعض مسألة حظهم ومستقبلهم في العام الجديد، وينساقون وراء تلك الأحاديث التي تبني آمالهم وأحزانهم على أسس غير علمية. وهذه الظاهرة قد تضر بعقيدتهم وتفكيرهم، فقد يصبح البعض منهم في حالة من التشتت العقائدي نتيجة لهذه الاعتقادات الخاطئة.
التنجيم وعلاقته بالغيب
قال الدكتور صفوت عمارة إنه من الغريب أن بعض الأشخاص يتعاملون مع مهنة التنجيم كوسيلة للكسب المادي، مستغلين جهل البعض بهذا المجال، ويتظاهرون بمعرفة الغيب من خلال الأبراج وحركة النجوم. ومع ذلك، فإن الإسلام يؤكد بوضوح في القرآن الكريم أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
كما ورد في قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]. وهذا يوضح أن ادعاء أحد بمعرفة ما سيحدث في المستقبل من خلال النجوم أو الأبراج هو أمر بعيد عن الحقيقة، بل هو نوع من الدجل والكذب الذي يناقض تعاليم الدين الإسلامي.
ومن أهم الأدلة التي استشهد بها الدكتور عمارة، قوله تعالى في سورة سبأ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المُهين} [سبأ: 14].
من خلال هذه الآية الكريمة، يتضح أن الجن أنفسهم لم يكونوا على علم بموت سيدنا سليمان عليه السلام، على الرغم من أنهم كانوا في خدمته، مما يبرهن على استحالة معرفة الغيب بأي شكل من الأشكال.
التنجيم مقابل علم الفلك
أوضح الدكتور عمارة أن هناك فرقًا كبيرًا بين علم الفلك والتنجيم، فبينما يعد علم الفلك علمًا حقيقيًا يعتمد على الدراسات الأكاديمية والبحث العلمي، حيث يدرس الكواكب والنجوم وحركة الأجرام السماوية، فإن التنجيم هو مجرد اعتقاد غير منطقي بوجود تأثيرات لهذه الأجرام السماوية على حياة البشر.
وأشار إلى أن علم الفلك هو العلم الذي يعنى بالفضاء الكوني وكل ما يتعلق به من نجوم وكواكب وأقمار، وقد كان الفراعنة في مصر القديمة من رواد علم الفلك، حيث استخدموه في بناء الأهرامات والمعابد. في المقابل، يعتمد التنجيم على فكرة أن حركة النجوم والكواكب تؤثر في الحياة الشخصية للبشر، وهي فكرة لا أساس علمي لها.
الأبراج: بين الجواز والحرمة
على الرغم من أن الأبراج كظاهرة ثقافية قد تكون شائعة في مختلف أنحاء العالم، فإن التصديق بتأثيراتها على حياة الإنسان هو أمر محرم في الإسلام، حيث يعتبر التعلق بالأبراج والتنبؤ بها نوعًا من الشرك وخللًا في العقيدة.
ومع ذلك، فقد أشار الدكتور عمارة إلى أن هناك فرقًا بين قراءة الأبراج من باب الفضول أو التسلية وبين التصديق بها أو بناء الحياة عليها. وقد أقرّ الفقهاء بوجود جواز شرعي في الاطلاع على بعض المعلومات التي تقدمها الأبراج من حيث الصفات العامة التي يمكن أن يتسم بها أصحاب كل برج، ولكن هذا لا يجب أن يُعتبر علمًا دقيقًا أو حقيقة مطلقة، بل مجرد احتمالات.
وفي هذا الصدد، استشهد الدكتور عمارة بآية قرآنية تتحدث عن الأبراج في سورة البروج، حيث قال تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1]. وهذا لا يشير إلى الاعتقاد بأن الأبراج تتحكم في مصير الإنسان أو تؤثر في حياته، بل يُفهم من خلال السياق القرآني أن المقصود هو الكواكب والنجوم في السماء. وبالتالي، لا يجوز للإنسان أن يتخذ من الأبراج وسيلة للتخطيط لمستقبله أو قراراته المصيرية.
التحذير من التنجيم في الحديث النبوي
من الجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من التعلق بعلم التنجيم، وأوضح في حديثه الشريف عن خطر التصديق بالأبراج والنجوم. فقد ورد في الحديث عن أبي إمامة رضي الله عنه قال: «إنَّ أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانِها النجومُ، وتكذيب بالقدر، وحيفُ السلطان» [صححه الألباني].
هذا الحديث يبين أن التنجيم والتكهن بالمستقبل من خلال النجوم يعد من الأمور التي تهدد إيمان المسلم وتجعله يتنكر للقدر الذي كتبه الله له، مما يؤدي إلى زعزعة إيمانه واستقراره النفسي.
في النهاية، نجد أن التنبؤ بالأبراج والتنجيم لا يعدو كونه فتنة تهدد عقيدة المسلم وتضلل تفكيره، خاصة أن الإسلام يركز على أهمية الإيمان بالغيب وعدم الاعتماد على الخرافات. وعلى المسلم أن يتحلى بالوعي الكافي ليميز بين الحقائق العلمية والثقافات المضللة التي قد تؤثر على عقيدته وتجعله يتخلى عن إيمانه بالغيب الذي هو من أساسيات الدين.