إرث كارتر قصة ملهمة سيتذكرها الأمريكيون لعقود قادمة . توفي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يوم الأحد 29 ديسمبر 2024 عن عمر يناهز 100 عام، ليخلف إرثًا كبيرًا في تاريخ الولايات المتحدة والعالم. ومع رحيله، فقد فقدت أمريكا والعالم أحد أبرز القادة الذين خدموا بأمانة وتفانٍ، وتركوا بصمة لا تُمحى في مجالات السياسة، والخدمة العامة، والنشاط الخيري. وقد جاء رد فعل العديد من الشخصيات السياسية البارزة حول العالم حزينًا، إلا أنه تضمن أيضًا إشادة كبيرة بتأثير كارتر وإرثه الذي سيظل يُلهم الأجيال القادمة.
في بيان له، نعى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش سلفه جيمي كارتر، معتبرًا أن إرثه “سيُلهم الأمريكيين لأجيال مقبلة”. وأشار بوش إلى أن كارتر لم يقتصر عمله في فترة رئاسته فقط، بل استمر في خدمة الإنسانية بعد انتهاء ولايته الرئاسية من خلال منظمتها الخيرية.
وتابع بوش قائلاً إن العمل الذي قام به كارتر في مجال بناء مساكن منخفضة التكلفة، وتعزيز الصحة العامة، ونشر الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم كان “مثالًا يحتذى به” ويستحق الإعجاب والتقدير. وقد شدد بوش على أن هذه الجهود التي بذلها كارتر ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة من الأمريكيين.
كان كارتر قد تولى رئاسة الولايات المتحدة من عام 1977 إلى 1981، وهو فترة شهدت تحديات كبيرة، لكن إنجازاته خلال تلك الفترة كانت معروفة بشجاعتها وحكمتها. ومع ذلك، فإن تأثيره على العالم لم يقتصر على فترة رئاسته، بل امتد بعد انتهاء ولايته، حيث عمل بلا كلل أو ملل مع منظمته الخيرية على تقديم الدعم للمحتاجين في جميع أنحاء العالم. تم تكريمه على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بسبب جهوده في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الفقر، ما جعله يُحسن صورة الولايات المتحدة في الخارج.
وكان كارتر أيضًا أحد الحاصلين على جائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهوده في الوساطة لحل النزاعات الدولية وتعزيز حقوق الإنسان، وهو ما جعله من أبرز الشخصيات في القرن العشرين. وما بين أنشطته الخيرية، ومعركته المستمرة ضد الأمراض والفقر، كان كارتر مثالًا حقيقيًا للقيادة المتفانية في خدمة الآخرين، ليصبح أحد الرموز البارزة في تاريخ الولايات المتحدة.
من جانبه، نعى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كارتر في بيان مشترك مع زوجته ميشيل، حيث عبّر عن إعجابه بالراحل قائلاً إن جيمي كارتر “علّمنا جميعًا ما يعنيه أن نعيش حياة مفعمة بالنعمة والكرامة والعدالة والخدمة”.
وأضاف أوباما أن كارتر كان شخصًا نادرًا بما يجسده من فضائل، وتقديمه حياة مليئة بالعطاء والتضحية. وأرسل أوباما، مع ميشيل، أفكاره وصلواته إلى عائلة كارتر وكل من أحب هذا الرجل الرائع، الذي قدّم الكثير للبشرية دون انتظار لأي مقابل.
وقد توفي جيمي كارتر بسلام في منزله في بلاينز بولاية جورجيا، محاطًا بأفراد عائلته، وفقًا لما ذكره مركز كارتر في بيان رسمي. وكان يواجه في الأسابيع الأخيرة بعض المشاكل الصحية، إلا أنه ظل محاطًا بحب عائلته وأصدقائه حتى آخر لحظاته. وعلى الرغم من مرور عدة عقود على خروجه من الحياة السياسية، إلا أن رحيله لا يزال يحظى باهتمام واسع من قبل الأوساط السياسية والجماهيرية على حد سواء.
إن رحيل كارتر يشكل نهاية فصل هام في تاريخ الولايات المتحدة، حيث كان يمثل أحد آخر الرئيسين الذين ساهموا بشكل كبير في مسار السياسة الأمريكية والعلاقات الدولية. من خلال التزامه العميق بتحقيق العدالة الاجتماعية والعمل على تحسين حياة الفقراء والمحرومين، وضع كارتر معايير جديدة في القيادة الخدمية التي تجاوزت حدود السياسة التقليدية. في الوقت ذاته، تظل تأثيراته ملهمة للعديد من الشخصيات العامة والسياسيين الذين يسعون إلى خدمة قضايا الإنسانية مثلما فعل هو.
يُذكر أن جيمي كارتر كان قد تعرض في وقت سابق لمرض السرطان، وكان قد تم تشخيصه في عام 2015 بإصابته بسرطان الكبد الذي انتشر إلى الدماغ. وعلى الرغم من التحديات الصحية التي واجهها، إلا أن كارتر استمر في العمل الخيري والمشاركة في النشاطات الاجتماعية حتى سن متقدمة، ليُظهر بذلك نموذجًا فريدًا للقوة والإرادة في مواجهة الصعوبات.
وبغض النظر عن الظروف الشخصية والصحية التي مرّ بها، فقد ترك كارتر إرثًا عظيمًا في قلوب الأمريكيين والعالم بأسره. من خلال ابتسامة هادئة وقلب مليء بالرحمة، واصل العمل على تعزيز السلام وتحقيق التنمية المستدامة حتى لحظة وفاته، مما يجعله واحدًا من أبرز الشخصيات في التاريخ المعاصر.
ومع مرور الوقت، سيظل إرث كارتر حيًا في قلوب وعقول الأجيال القادمة، مستمراً في تقديم الإلهام والدروس حول ما يعنيه أن نعيش حياة ذات معنى، وأن نلتزم بخدمة الآخرين بعيدًا عن الأضواء والشهرة.