ويأتي القرار بعد سلسلة طويلة من التخفيضات التي اعتمدها التحالف منذ عام 2023 بهدف السيطرة على المعروض وضبط الأسعار في ظل ظروف اقتصادية وجيوسياسية معقدة.
استعادة الإمدادات تدريجيًا بعد سنوات من التخفيضات
هذا القرار يمثل بداية جديدة لمسار إعادة ضخ الإمدادات التي كان قد تم خفضها بواقع 1.66 مليون برميل يوميًا، وكان من المخطط استمرارها حتى نهاية عام 2026. وفي أغسطس الماضي، بدأ التحالف فعليًا في إنهاء جزء كبير من التخفيضات الطوعية التي التزمت بها ثماني دول منذ عام 2023، حيث زاد الإنتاج آنذاك بمقدار 547 ألف برميل يوميًا.
أسواق النفط بين المرونة والتحديات
على الرغم من زيادة المعروض النفطي خلال الشهور الماضية، لم تشهد الأسواق انهيارًا حادًا في الأسعار. فقد تراجعت أسعار النفط منذ بداية 2025 بنسبة تقترب من 12%، نتيجة زيادة الإنتاج سواء من داخل أوبك+ أو من منتجين خارج المنظمة، إضافة إلى الضغوط الناجمة عن الرسوم الجمركية الأمريكية على بعض السلع، والتي انعكست على توقعات الطلب العالمي.
ومع ذلك، أظهرت السوق النفطية مرونة مفاجئة، الأمر الذي عزز ثقة تحالف أوبك+ في إمكانية إعادة ضخ المزيد من الخام دون التسبب في صدمة سعرية كبيرة. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل توازنًا استراتيجيًا بين الحاجة لاستعادة الحصة السوقية وضمان استقرار الأسعار.
توقعات أوبك لنمو الطلب على النفط
في سياق متصل، أعلنت منظمة أوبك رفع توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2026 ليصل إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، أي بزيادة قدرها 100 ألف برميل عن تقديراتها السابقة، بينما أبقت على توقعاتها للعام 2025 دون تغيير للشهر الخامس على التوالي.
هذه التقديرات تعكس قناعة المنظمة بأن الطلب العالمي سيظل قويًا على المدى المتوسط، حتى في ظل التوجهات نحو الطاقة المتجددة وتراجع بعض الاقتصادات الصناعية.
تحديات أمام تنفيذ القرار
رغم التفاؤل، تشير تحليلات اقتصادية إلى أن الزيادة المعلنة في الإنتاج قد لا تتحقق بالكامل على أرض الواقع. فبعض الدول الأعضاء ستجد نفسها مضطرة لتعويض الفائض السابق في الإمدادات، بينما تعاني دول أخرى من محدودية القدرات الإنتاجية أو مشكلات استثمارية في قطاع الطاقة. ومن ثم، قد يكون الحجم الفعلي للزيادة أقل من الرقم المعلن (137 ألف برميل يوميًا).
أسعار النفط الحالية والعوامل المؤثرة
تشير بيانات الأسواق العالمية إلى أن أسعار النفط لا تزال متراجعة نسبيًا، حيث هبط سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى أقل من 62 دولارًا للبرميل، فيما بلغ سعر خام برنت نحو 65.50 دولارًا للبرميل. ورغم هذا التراجع، يرى خبراء أن هناك عدة عوامل قد تدعم الأسعار في المستقبل القريب، ومنها:
زيادة الطلب الموسمي على الوقود مع اقتراب فصل الشتاء.
احتمالية قيام البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، ما قد يدعم أسعار السلع الأساسية ومنها النفط.
استمرار بعض الاضطرابات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج، وهو ما يشكل ضغطًا على الإمدادات.
ما بين السياسة والاقتصاد
لا يمكن فصل قرار أوبك+ عن المشهد السياسي الدولي، إذ يسعى التحالف إلى موازنة مصالح الدول الأعضاء مع الحفاظ على موقعه كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمي. وتعتبر العودة التدريجية لزيادة الإنتاج رسالة واضحة بأن التحالف يسعى لاستعادة حصته السوقية دون الإضرار باستقرار الأسعار.
إذن، يمثل قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج بداية مرحلة جديدة من السياسات النفطية، حيث تتحرك المنظمة بخطوات حذرة بين ضغوط السوق ومتغيرات السياسة الدولية. وبينما يترقب العالم تأثير هذه الخطوة على الأسعار خلال الشهور المقبلة، يظل السؤال الأهم: هل تنجح أوبك+ في موازنة معادلة زيادة الإنتاج مقابل الحفاظ على استقرار السوق؟