ورغم الإقبال الكبير على هذا المجال، إلا أن هناك جدلًا واسعًا يدور حول حكم الشرع في هذه الأموال، وهل تُعد كسبًا حلالًا أم محرّمًا، خاصة إذا كان المحتوى بعيدًا عن القيم الأخلاقية أو يحتوي على ما يخالف الشريعة.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذّرنا من الكسب الخبيث وأمرنا بالطيب من الكسب، موضحًا أن كل وسيلة تؤدي إلى الحرام فهي حرام.
وبالتالي فإن الأموال التي يجنيها بعض صُنّاع المحتوى عبر منصات مثل تيك توك والسوشيال ميديا إذا كانت قائمة على الإسفاف أو إثارة الغرائز أو تضليل الناس فهي محرّمة شرعًا.
التحذير من الانحراف الأخلاقي
وخلال ظهوره في برنامج علامة استفهام الذي يقدمه الإعلامي مصعب العباسي، شدّد الدكتور أحمد كريمة على أن ما يحدث على هذه المنصات يُعد “كارثة أخلاقية وسلوكية”، نظرًا لما تسببه من انحراف في سلوك الشباب وتدمير للبنية القيمية للمجتمع.
وأضاف أن الكثير من الفيديوهات المتداولة على تيك توك مثل الرقص بملابس غير لائقة أو استخدام ألفاظ خارجة لا تتماشى مع عادات المجتمع وتقاليده، فضلاً عن أنها لا تضيف أي قيمة علمية أو ثقافية.
وأوضح أن الأموال الناتجة عن مثل هذا المحتوى تُعد مالًا خبيثًا لا يباركه الله، داعيًا الأسر إلى توعية أبنائها بخطورة الانجرار وراء هذه الموجة، وحثّ الشباب على البحث عن مصادر رزق شريفة ومشروعات حقيقية تنفع المجتمع.
أموال بلا مصدر واضح
وأشار أستاذ الفقه المقارن إلى أن مصادر الأموال التي تُدفع لصُنّاع المحتوى في بعض الأحيان غير واضحة، حيث تأتي من الإعلانات أو من خلال شراء عملات افتراضية داخل التطبيقات يتم شحنها عبر بطاقات الدفع الإلكتروني، ثم يتم تحويلها إلى أرباح مادية. وهنا تبرز إشكالية “المجهولية” في هذه الأموال، إذ لا يُعرف ما إذا كانت ناتجة عن أنشطة مشبوهة أو عمليات غير مشروعة.
كما لفت إلى أن بعض الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم “مشايخ” يستغلون هذه المنصات لتحقيق أرباح هائلة، دون أن يكون لهم أي علاقة بالأزهر أو المؤسسات الدينية الرسمية، مشددًا على أن هؤلاء يضلّلون الناس باسم الدين، وهو ما يضاعف حرمة هذه الأموال.
ثروات هائلة من وراء المنصات
وكشف الدكتور كريمة أن بعض صُنّاع المحتوى ممن يسمّون أنفسهم دعاة أو مشايخ استطاعوا تكوين ثروات ضخمة تفوق المقبول والمعقول، مشيرًا إلى أن أحدهم يمتلك 70 سيارة تاكسي تعمل في شوارع القاهرة، إضافة إلى أراضٍ استثمارية يبني عليها وحدات سكنية، وكل ذلك نتيجة أرباح جمعها من المنصات الرقمية.
وأكد أن مثل هذه النماذج تُثير علامات استفهام كبيرة حول مشروعية هذه الأموال، لاسيما إذا كانت نتيجة محتوى لا يليق، أو قائم على خداع المتابعين واستغلال مشاعرهم الدينية أو الاجتماعية لتحقيق مكاسب مالية.
البعد الشرعي والاجتماعي
من منظور شرعي، أوضح أستاذ الفقه المقارن أن الإسلام وضع ضوابط واضحة للكسب المشروع، أهمها أن يكون مصدر المال خاليًا من الغش والخداع والفواحش وأي محظورات شرعية. وبالتالي فإن الأموال الناتجة عن المحتوى الذي يضر الأخلاق أو يشجع على الحرام لا يمكن اعتبارها حلالًا.
أما من منظور اجتماعي، فإن انتشار هذه الظاهرة يؤدي إلى تراجع قيمة العمل الجاد والإنتاج الحقيقي، إذ أصبح بعض الشباب يفضلون قضاء ساعات طويلة على الهاتف في صناعة محتوى تافه من أجل جمع الأموال، بدلاً من العمل في مهن حقيقية تسهم في تنمية المجتمع.
دعوة للحذر والتصحيح
وختم الدكتور أحمد كريمة حديثه بالتأكيد على ضرورة أن يكون هناك رقابة صارمة وتشريعات واضحة لتنظيم عمل هذه المنصات داخل مصر، بحيث يتم محاسبة من ينشر محتوى يخالف القيم أو يتربح من المال الحرام. كما دعا الأسر إلى تعزيز الرقابة الأسرية والاهتمام بتربية الأبناء على قيم العمل الحلال والرزق الطيب.
وشدد على أن المال الحلال يباركه الله ويعود بالنفع على صاحبه، بينما المال الحرام وإن بدا كثيرًا في الظاهر، فإنه سرعان ما يزول ويكون سببًا في تعاسة الإنسان وضياع أسرته ومجتمعه.