أسعار النفط ترتفع قليلاً مع استمرار المخاوف بشأن الطلب العالمي . شهدت أسعار النفط ارتفاعًا طفيفًا اليوم الثلاثاء، لكنها ظلت قريبة من أدنى مستوياتها التي سجلتها في أسبوعين، وذلك في ظل تراجع التوقعات بشأن الطلب على الخام بسبب عدة عوامل اقتصادية. وأظهرت البيانات الاقتصادية الضعيفة القادمة من الصين، إضافة إلى التوقعات المعتدلة للطقس في مناطق أخرى، تأثيرًا كبيرًا على النظرة المستقبلية للأسواق النفطية.
وفقًا لموقع (إنفستنج) الأمريكي المختص في الاقتصاد والتداول، سجلت عقود خام برنت زيادة بنسبة 0.78% لتصل إلى 77.68 دولارًا للبرميل، بينما ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة 0.68% لتسجل 73.67 دولارًا للبرميل.
ورغم هذه الزيادة الطفيفة، بقيت أسعار النفط قريبة من أدنى مستوياتها المسجلة في وقت سابق من الأسبوع، حيث أغلق خام برنت يوم الاثنين عند أدنى مستوى له منذ التاسع من يناير، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط أدنى مستوى له منذ الثاني من نفس الشهر.
كانت الصين، أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، قد أصدرت بيانات اقتصادية تظهر انكماشًا غير متوقع في نشاط التصنيع خلال شهر يناير 2025، ما أثار المزيد من المخاوف بشأن مستقبل الطلب العالمي على النفط. وجاءت هذه الأنباء لتضيف مزيدًا من الضغوط على أسعار الخام، خاصة في ظل البيئة الاقتصادية الحذرة السائدة عالميًا.
وفي تعليق على الوضع، قال المحلل الاقتصادي لدى شركة “إيه جي ياب”، جون رونج، إن البيانات الضعيفة من الصين، بما في ذلك أرقام مؤشر مديري المشتريات التي أظهرت انكماشًا في قطاع التصنيع، تزيد من الشكوك حول التوقعات المستقبلية للطلب على النفط. وأكد رونج أن هذه المؤشرات السلبية قد تضع عبئًا إضافيًا على أسواق النفط في الفترة المقبلة، خاصة إذا استمرت في التأثير على اقتصاد الصين الذي يعتبر محركًا رئيسيًا للطلب العالمي.
أما بالنسبة للصين، فهناك توقعات إضافية تؤثر على الطلب على النفط، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية الأخيرة على تجارة النفط الروسي. يعتقد المحللون أن هذه العقوبات قد تؤدي إلى تقليص واردات الصين من النفط الروسي، ما سيؤثر بدوره على حجم الطلب الكلي للنفط في السوق الصينية. ووفقًا للخبراء، فإن مصافي النفط في شاندونج الصينية قد تفقد ما يصل إلى مليون برميل يوميًا من إمدادات النفط الخام في المدى القريب بسبب الحظر الذي فرضته مجموعة ميناء شاندونج على الناقلات التي تخضع للعقوبات الأمريكية.
وفي هذا السياق، أشار ياب إلى أن الخسائر المحتملة في سوق النفط تبدو محدودة إلى حد ما بسبب الاضطرابات الأخيرة في أسواق الأسهم الأمريكية، مما يعني أن تأثير هذه التحديات قد يكون أقل حدة مما كان متوقعًا في البداية.
في الوقت نفسه، أكدت التقارير أن العديد من المصافي المستقلة في الصين قد توقفت عن العمل أو تخطط لإيقاف نشاطاتها لفترات صيانة غير محددة. ويُعزى ذلك إلى السياسات الجديدة المتعلقة بالتعريفات الجمركية والضرائب التي فرضتها الحكومة، والتي أدت إلى زيادة الضغوط المالية على هذه المصافي، وجعلتها تتكبد مزيدًا من الخسائر.
أما في الهند، التي تعد ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، فقد تعرضت المصافي أيضًا إلى اضطرابات في إمدادات النفط الروسي. إلا أن بعض المحللين أشاروا إلى أن المصافي الهندية قد تستفيد من فترة الانسحاب المؤقت للعقوبات الأمريكية على النفط الروسي، مما يتيح لها فرصة شراء الخام بأسعار منخفضة حتى مارس المقبل.
على الصعيد الأمريكي، تشير توقعات الطقس إلى درجات حرارة أكثر دفئًا من المعتاد هذا الأسبوع، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على وقود التدفئة بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الغاز الطبيعي والديزل بسبب موجات البرد القارس التي اجتاحت الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية. هذا التغير في الطقس قد يساهم في تقليل الضغط على أسعار النفط، إذ يمكن أن يتراجع الطلب على المنتجات البترولية المستخدمة في التدفئة.
تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية على أسعار النفط
من الواضح أن أسعار النفط تتأثر بالعديد من العوامل الاقتصادية والسياسية التي تتراوح بين التقلبات في أسواق الأسهم والطقس، وصولاً إلى التوترات السياسية مثل العقوبات التجارية. وفي ظل استمرار حالة عدم اليقين حول الطلب العالمي على النفط، من المتوقع أن تبقى الأسواق النفطية في حالة من التقلبات على المدى القصير، خاصة في ظل تأثيرات بيانات اقتصادية ضعيفة من الدول الكبرى مثل الصين، والتي تعتبر السوق الأهم للنفط في العالم.
ومع استمرارية التحديات التي تواجه أسواق النفط، بما في ذلك اضطراب إمدادات النفط الروسي في بعض الدول الرئيسية مثل الصين والهند، يبقى المراقبون في حالة ترقب لمزيد من التطورات التي قد تؤثر على الأسعار. هذا يشمل تأثير العقوبات الأمريكية على تجارة النفط الروسي، بالإضافة إلى كيفية تأثير الأوضاع الاقتصادية والطقسية على حجم الطلب العالمي في الفترات المقبلة.
التوقعات المستقبلية
بناءً على المعطيات الحالية، يتوقع المحللون استمرار حالة من التقلبات في أسواق النفط خلال الأسابيع القادمة، حيث قد تشهد الأسعار تذبذبًا طفيفًا بناءً على التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية. في حين أن العوامل مثل الطقس الدافئ في الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تقليل الضغط على أسعار النفط، إلا أن المخاوف المتعلقة بالطلب الصيني وتباطؤ النمو الاقتصادي في بعض المناطق لا تزال تمثل تهديدًا لاستقرار الأسواق النفطية.
من المهم أن تظل الأسواق النفطية تحت مراقبة دقيقة من قبل المستثمرين والاقتصاديين على حد سواء، وذلك في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية والمناخية التي قد تساهم في تغيرات مفاجئة في أسواق الطاقة.